قبل أيام قليلة صدر حكم بالإعدام على طارق عزيز عيسى، أحد كبار رجال صدام حسين، ووزير خارجية العراق لفترة طويلة. ونشرت بهذه المناسبة الشرق الأوسط (27 أكتوبر) صورة عمرها شهران فقط لطارق عزيز أثناء حبسه. في الصورة بدا طارق عزيز، وقد طوى من العمر عقودًا في سنوات قليلة لأسباب عديدة، ليس أولها انهيار النظام الصدامي قبل 7 سنوات، وليس آخرها الأمراض التي نهشت جسده المنهك، الذي مضى عليه 74 سنة منذ مولده مسيحيًّا، ولا يزال باسم (طوبيا ميخائيل حنا). اللهم لا شماتة.. ولا ينبغي لأيٍّ منا الشماتة، لكن هذا قدر كتبه الله ليعتبر مَن يعتبر، ويُعرض مَن يعرض. طارق عزيز يمثل حقبة تاريخية عاث فيها العسكر بكل القيم، وتلاعبوا بكل المُثل، فلم يتركوا جريمة إلاّ وارتكبوها (شطرًا وبطرًا) ودون مبرر سوى الطغيان، والعربدة، والجور، والظلم. طارق عزيز هو أنموذج للطغمة الحاكمة بالحديد والنار، وبالعنف والبطش، وبالفوضى والفساد. هذه النماذج تفديها الجماهير بالروح والدم، وهي في سدة الحكم وعنفوان القوة، فإذا ما سقطت شمتت فيها الجماهير نفسها، بل ربما (زغردت) بهجةً وسرورًا، وفرحةً وحبورًا؛ لأن جبالاً من الظلم زالت، وأطنانًا من الجور ذابت. ومن العراق نفسه يُحكى أن الحجاج حبس رجلاً ظلمًا وجورًا، فكتب إليه رقعة يقول فيها: (قد مضى من بؤسنا أيام، ومن نعيمك أيام، والموعد القيامة، والسجن جهنم، والحاكم لا يحتاج إلى بيّنة)، ثم أنشد في آخرها هذه الأبيات: ستعلم يا نؤوم إذا التقينا غدًا عند الإله مَن الظلوم أما والله إن الظلم لؤم وما زال الظلوم هو الملوم سينقطع التلذذ عن أناس أداموه وينقطع النعيم إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله يجتمع الخصوم طارق عزيز كان في قلب التاريخ يوم أن كان مجلس الثورة هو الآمر الناهي، وعمّا قريب سيصبح في ذمة التاريخ، لاحقًا برفاق الثورة، وزمرة الطغاة، وسيرافقه اثنان من الرفاق هما سعدون شاكر، وعبد حميد حمود. حبل الظلم قصير مهما طال، وليل الجور لا بد أن ينجلي مهما أبطأ (ضو) الشمس.