في هذه العشر المباركة من شهر ذي الحجة، تأمّلتُ قول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أنه صلّى الله عليه وسلم ما سُئل يومها عن شيء ممّا يتعلّق بالحج إلاّ وقال: افعل ولا حرج، فهذا حلق قبل أن يذبح، وآخر نحر قبل أن يرمي. وممّا قرأتُ في هذا الشأن ما كتبه أهل العلم أن قوله صلى الله عليه وسلم (افعل ولا حرج) يفيد أمرًا زائدًا على مجرد رفع الإثم، وهو رفع ما يترتب على الإخلال بترتيب أعمال يوم النحر، وهنالك آراء أخرى عديدة منهم مَن أيّد هذا الرأي، ومنهم مَن صححه، ومنهم مَن خالفه، كل هذه الآراء معبرة عن وجهة النظر الشرعية، وقد سبقني مَن هو أكفأ وأعلم مني بالشرح والتعليل. أمّا من حيث مفهومنا التربوي والسلوكي أن التسامح، ورفع الحرج من أسباب تعزيز الشخصية، وتقوية الروابط بين أفراد المجتمع. فأمام هذه الحكمة البالغة، والمنهج النبوي الحكيم في مخاطبة الناس، ومعالجة أخطائهم، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، نقتبس منها أن لا نستبق السائل بالجواب قبل أن نستوعب مقصوده من السؤال، وأن نتحرّى الرفق في الحديث مع الناس، وإحسان التعامل، والرفق مع مَن وقع في خطأ، وأن نقوّم خطأه بالحسنى، ولا نعيّره بخطئه، فنوقعه في خطأ أكبر، ونفتح له باب الانتقام فيتعاظم منه الخطأ؛ ليصل إلى درجة العمد، ويضيق صدره، وتتسع دائرة أعدائه، فمن عادة بعض البشر أن يكيل الأحكام لغيره كيلاً، وينتقد كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة، فلا ينجح عنده أحد. تخيّل سعادة الإنسان عندما تتجاوز عن أخطائه، وتتسامح معه، وتحسن إليه بالابتسامة والتغاضي عن أخطائه، ستنفتح أمامه أبواب السعادة في الحياة، وسيكون تسامحك معه أفضل عقاب له؛ ليحرص على اتّباع السلوك القويم وحُسن التصرّف. فلنقتدِ بهذه الحكمة النبوية، وصدقت يا رسول الله.