* رحل عالِم الدِّين والدنيا.. من عالم أحبّه، لعالم أحبّه لأجله، تاركًا وراءه ما يمكن أن يمثّل القدوة في عالم كاد أن يفتقد مرحليات أعمال (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). * والراحل العلامة الدكتور محمد عبده يماني من أولئك القلة الذين أدركوا أهمية أن يبحث كيف يسلك طريقًا، يجعل الحياة الدنيا وسيلة إلى غاية عظمى هي حياة الآخرة. * بحث عن جملة من الطرق.. واختار أهمها خلال رؤيته الثاقبة، وعلمه الغزير، ونفسه التوّاقة إلى سُبل الخير الميسّرة، والممكنة بالتوفيق الرباني، الذي ثبت في قرارة عمقه أنه يتأتى بالبذل في الخوف من الله، والتقرّب إليه بالدعوة، وبالذكر، والتمسك بدينه، وبقيمه ما استطاع.. فكان نعم الإنسان.. وكان رمزًا للدعوة الوسطية، والإصلاح على مستوى المجتمع، والدولة، والعلم، والثقافة. * ظل خلال فترة حياته الأولى التي اختتمت بالأمس، وطويت صفحاتها البيضاء رمزًا لقضاء الحوائج، ومثلاً لعون المحتاجين -صغارًا وكبارًا- وقدوةً للساعين لتأليف قلوب مَن هم في مفترق الطرق، يمشي بالإصلاح والوئام بعقل متفتّح، ونفسٍ نقية، وصفاء ضمير، وقلب لا يعرف الكره والحقد. * لم يغلق بابه قط بعد أن ترجّل عن كرسي الوزارة، كما فعل أنداده، بل شرّع أبواب داره، ومكتبه للصغير والمحتاج قبل الكبير. فاقترب من الناس وأحبوه، لم يتوقف بذله في مساعدة ذوي الحوائج، يقضيها من عنده إذا كانت متاحة، وفي الحال، أو يبذل جاهه وشفاعته الحسنة، إذا كان قضاؤها لدى غيره سواء كانت دائرة حكومية، أو مرفقًا خاصًا، أو فردًا، بل يسعى بنفسه إلى مراجعة الجهات المختلفة، يقوده ويهديه تواضعه الجم، وحب الخير والبر والمعروف. * سخّر كل جهده، وبذله لخدمة الغير من الضعفاء، والمساكين، والأرامل، والأيتام، يمسح دموعهم، ويزيل الكآبة من نفوسهم، بالعمل، وبالكلمة الطيبة، وبحثِّ الموسرين على الإنفاق. * يقضي يومه كله، وجزءًا من ليله، أو جلّه فيما يمكن تسميته بإدارة العلاقات الإنسانية، لا يترك مجلسًا أدبيًّا، أو فرحًا، أو عزاءً لوجيه كان، أو أحد صغار القوم إلاّ وتجده متصدّرًا وحاضرًا. * لا شيء مستحيل عنده في قضاء حاجات كل مَن طرق بابه من أصحاب الحاجات، وعلى مستوى الوطن، بل لم تتوقف جهوده عند حدود، فامتدت إلى الأقليات الإسلامية في قارات متعددة. * هكذا كانت حياته الإنسانية ملء الآفاق.. أمّا بذله الثقافي والديني والاجتماعي فذاك تعبّر عنه رحلته مع التأليف في مختلف شؤون الحياة التربوية، والاجتماعية، والدينية، والعلمية. * هكذا كان العالِم محمد عبده يماني، وهو إن مات.. فإن أعماله باقية أبدًا، ومثله يظلون أحياءً وإن ماتوا.. * رحمك الله، وأسكنك فسيح جناته، وعزاؤنا نحن محبيك أن الله تعالى قد أكرمك باختيارك إلى جواره في هذه الأيام المباركة، من شهر الحج الفضيل.