* ليس بالمستغرب أو الغريب اليوم على بعض الدول حالة التأجج والثوران الانفعالي والتشاحن والبغضاء، إضافة للحزبية والطائفية والعنصرية، وإلى آخره من مسمّيات وتفاعلات، ومنهجيات ومذاهب وسلوكيات ... إلخ، توحي للمجتمعات أو للشعوب بعموم الفوضى، وتجذر الخلل.. حيث يخوض الفكر السلبي، أو التفكير المنحرف في مجريات الأمور وتداعياتها، و“يلعب الشيطان لعبته”، فتروج السرقات والاعتداء على الأعراض والممتلكات، والنهب والخوف والقتل، والتخريب والتدمير، ومزاولة العنف بكل طرقه، وتعمد استفزازه، فتغدو مدينة أو دولة لا تحكم بشرع الله، ولا تحتكم بكتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، بعيدة عن الله ونهجه، في مهب الريح تتقاذفها الأهواء، وتعبث بها الآراء، وتسطو عليها الرغبات، وتسلط لمحقها الأحكام التعسفية الجائرة، حتى يصبح «التسابق» على الحكم في تلك الأجواء الخانقة لمن نهب أكثر، ولمن اعتدى أكثر، ولمن بطش وتكبَّر، فالقوة هنا قوة ظلم واعتداء فقط، لا تحكمها عقول واعية، ولا قلوب سليمة، ولا عقيدة صحيحة، وهذا أبعد ما يكون عن تولي سلطة، ناهيك عن الحكم أو الاستمرار فيها، فأساس الحكم العدل، وسيد الخُلق «الحلم»، وخير الحكمة تأتي بالتأني وبُعد النظر.. أما القوة الحقيقية فهي في إيمان صادق يعمر القلب، ويباشر بالعمل الصالح. * إن ما تعاني منه البعض من الأسر، والبعض من المجتمعات والدول، افتقارها «للفضائل الإسلامية»، من التسامح والصفح، والعفو والإحسان، والعدل والصبر.. وهذه القيم من الإسلام لا يستطيعها أي إنسان، إلاّ إنسان عمل بالتقوى، وخاف الله تعالى في السر والعلن، واجتهد في أن يكون كل عمل يقوم به يرضي الله ورسوله أولاً وأخيرًا، وقبل أن نصل إلى منزلة أو درجة الرضا، يمر الإنسان بمراحل من ضبط النفس، بالصبر والحلم والتأني، وكظم الغيظ والتسامح، والعفو والصفح، والعدل والإحسان.. فالكثير من هذه الخصال «يحبها» الله جل في علاه في عبده المسلم، حتى تصبح درجات يرتقي عليها عمل الإنسان، ويبلغ بها الرضا من الله تعالى عنه، ومن زحزح عن النار فقد فاز. * إننا حين نحب بصدق؛ فإن قلوبنا تتصافح قبل أيدينا، ويضاء فكرنا بنور البصيرة، فنرى الحق حقًا ونتبعه، كما نرى الباطل باطلاً ونجتنبه، وتزكو أنفسنا، فتغدو بالصدق شفافة مضيئة، تحب الخير للجميع كما تحبه لذاتها، وهذا الصفاء يستشفه الآخرون، ويقرأونه من خلال نوايانا الحسنة، وصدق تعاوننا مع الناس، سواء كانوا من الفرقاء المتناحرين، أو من المحتاجين للرأي والمشورة والنصح، أو من المنكوبين... إلخ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. * إن الروح المتسامية نحو العلا، والعطاء بما يرضي الله عنها، هي لا شك نفس طيبة (تحب) الخير، وتعمل لأجله، والسؤال هنا: هل يستطيع الإخوة من المسلمين سواء كانوا أشقاء من أسرة واحدة، أو كانوا فرقاء متنازعين في البعض من الدول العربية، الارتقاء بأنفسهم إلى مستوى «الفضائل الإسلامية»، والتعامل بصفاء ونوايا حسنة، وصدق وشفافية؟ فإن حملت النفس هذه الصفات، فإن الحب نبراس ومشعل مضيء يأتي بالخير حيثما كان.