يعيش الرجل مرحلة ما قبل الزواج وهو يرسم في خياله صورة جميلة.. بل مفرطة الجمال للمرأة التي يود أن يتزوّجها ويتشارك معها الحياة، ويأخذ في وضع الشروط والمواصفات والمقاييس. فهو يريدها امرأة جميلة رشيقة، متعلمة، مثقفة، عاملة، ورّبة بيت من الطراز الأوّل، وصديقة مخلصة، وزوجة مطيعة ومحبّة، قادرة على أن تجعله يحبها، وأماً متفانية، وأنثى حاضرة له تلبّي مطالبه. ذات شخصية لطيفة، خفيفة الظل، من عائلة طيبة، ويريدها مدبّرة ومقتصدة ومحّبة لأهله ومُشاركة له في اهتماماته وهواياته..و..و..و..وتنتهي مساحة المقال ولا تنتهي مطالب الرجل وأحلامه وقائمة المواصفات والمقاييس. ثم يُصدم المسكين بالواقع الذي غالباً ما يعطيه امرأة لا تطابق امرأة حلمه. ولا تشبهها في شيء. وإن تشابهت معها في صفة اختلفت في عشرات. فيعيش حياته ساخطاً متذمراً يندب حظّه، ويرى «المرأةالحلم» في كل امرأة غير زوجته بالتأكيد. والواقع أنة لا يوجد امرأة مثالية 100% كما لا يوجد رجل مثالي ولا حتى بنسبة60%. والمثالية أمر نسبي. فما قد يكون مثاليا في نظر شخص قد يراه آخر أمراً عادياً. والواقع عادة ما يعطي أحد ثلاثة احتمالات: · الاحتمال الأوّل: أن تكون المرأة مطابقة لصورة الحلم بنسبة كبيرة تتراوح بين 75 إلى 99%. وهو وإن كان أمراً نادراً، لكنه قد يحدث. فعند إذاً على الرجل أن يحمد الله كثيراً ويعدّ نفسه أحد الذين أنعم الله عليهم فجعله محظوظا. · والاحتمال الثاني: أن تكون المرأة تشبه (الحلم) بنسبة لا تزيد عن 50% وبصورة لا تسبّب مشاكل كبيرة – وهو الاحتمال الواقع غالباً – عندئذٍ..على الرجل أن يحمد الله أيضاً فهو أفضل من غيره..أو مثل كثيرين. ويحاول أن يتمتع بما تتحلّى به زوجته ويرضى به – مثلما رضيت هي به- وأن يدعم الجوانب الإيجابية لديها فذلك كفيل بأن يدفعها لأن تنميّ إيجابياتها وتطوّر نفسها. وهذا أفضل من أن ينظر الرجل إلى الجزء الفارغ من الكوب.فيحطم بنقده كل جميل في زوجته فيخسر حتى ما كان موجوداً. فالرجل عادة ما يتعامى عن رؤية الجوانب المضيئة لدى زوجته ويركّز على جوانب الضعف والقصور فيحطم نفسيتها ويجعلها تتراجع ولا تتقدّم. · الاحتمال الثالث: أن تكون الزوجة لا تداني الصورة الحلم بأي شيء ولا تتصف بأي صفة من قائمة المطالب. وكل ما تعرفه عن الصورة الحلم أنها على نقيضها تماماً. عندئذ نقول للزوج – المنكوب – كان الله في عونك وألهمك الصبر،لأن حياته سلسلة من الاحباطات والمشاكل سببها ذلك التفاوت العظيم بين (ما يجب أن يكون) (وما هو كائن فعلاً). فحين يكتب القدر على اثنين أن يعيشا معا وكلّ منهما لا يرى في شريكه ما يجب فهذا لا بد أنه قمة التعاسة والألم. والفشل هو الواقع المؤكّد الذي يشتركان فيه. وما ينطبق على الرجل في حصوله على امرأة حلمه، ينطبق على المرأة أيضاً في حصولها على رجل أحلامها. وصدق الشاعر الحكيم حينما قال: (ما كل ما يتمنى المرء يدركه)!!.