الدكتور جلول عزونة أحد أهم الأدباء التونسيين، حيث تنقل بين القصة القصيرة والرواية، له العديد من الكتابات، وله ثلاث مجموعات قصصية “ويبقى السؤال” صدرت في العام1981، و“الخبز والحب والهذيان” الصادرة في العام 1991، ثم “عشقي لمن يبقى؟” التي صدرت في عام 1998. كما صدرت له رواية “العار والجراد والقردة”.. وهو أستاذ الأدب الفرنسي بكلية الآداب، نشط منذ صغره في العديد من الجمعيات، وقد تحمل في صلبها العديد من المسؤوليات، ويشغل حاليًا منصب رئيس رابطة الكُتّاب الأحرار في تونس. “الأربعاء” زار جلول عزونة في مكتبته بمنطقة المنار بالعاصمة التونسية، التي يقول عنها: أعتز بمكتبتي جدًّا، وربما هي من أهم إنجازاتي الشخصية، وركني المفضل في بيتي، بدأت بجمعها منذ سن الخامسة ونصف باحتفاظي بكتاب السنة الأولى للتعليم الابتدائي الذي أعطيته لأخي الأصغر درس به ثم أعاده لي ولا أزال أحتفظ به، ثم بدأت بجمع كل كتبي المدرسية لكل السنوات الابتدائية ثم المتوسط بالمدرسة الصادقية، وبدأت أشتري الكتب في أوائل استقلال تونس سنة 1957، فكنت أذهب إلى سوق الكتب القديمة وأقتني منه حسب إمكانياتي في ذلك الوقت، وتنامى هذا الشعور إلى أن أصبحت مكتبتي الآن تعد بين 7 آلاف كتاب وحوالى 30 ألف جريدة وحوالى 15 ألف مجلة، فأنا لا أرمي في سلة المهملات أي ورقة، ولا أي جريدة أو مجلة مما أقتنيه أو أسعى لجمعه. ويتابع عزونة حديثه عن مكتبته مضيفًا: وبما أن ثقافتي واختصاصي هو الآداب واللغة الفرنسية فنصف المكتبة هي للأدب الفرنسي في كل عصوره منذ القرون الوسطى إلى آخر الإصدارات، كما توجد في مكتبتي أغلب ما كتبه الكتاب الكبار، كما توجد نسخ متعددة من المصحف الشريف، وترجمات معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية بما فيها أول كتاب مترجم للغة الفرنسية من القرن السابع عشر وهو محاولة لترجمة معاني القرآن الكريم سنة 1680، فهذه المكتبة يوجد بها أمهات الكتب القديمة والحديثة في التاريخ التونسي منها تاريخ ابن خلدون وأمهات الكتب العربية مثل العقد الفريد، وألف ليلة وليلة، وكتب الجاحظ والمعري والمتنبي، كما توجد في هذه المكتبة كل ما يخص الأدب التونسي منذ العهود ما قبل الإسلام، والعهد القرطاجني وغيره.. رفوف الجنة ويتابع جلول عزونة مسلطًا مزيدًا من الضوء على محتويات مكتبته التي تحتوي أيضًا على مؤلفاته بقوله: لدي 17 كتابا خاصا بمكتبتي، وأنا منخرط في نادي القصة منذ تأسيسه سنة 1964 وهو ما مكنني من نشر 3 مجموعات قصصية باللغة العربية ومجموعة بالفرنسية، كما يوجد كتاب فيه دراسات عن القصة والرواية في تونس، كما يوجد بهذه المكتبة آخر مؤلف لي هو كتاب صدر منذ مدة وهو روايتي الثانية بعنوان “ولع”، أو “رفوف الجنة”، وتدور أحداثها حول ثلاثة أشخاص أصدقاء لكل واحد هواية، ومحور الرواية هو الصراع بين هذه الهوايات أو هذه الميولات الشخصية، فإن كان الأول يحب النساء والثاني يحب الخمر والثالث يحب الكتب، وكان كل من الأبطال الثلاثة يحاول جلب صديقه إلى ميدانه، إذن هو صراع بين اللذة الجسدية ولذة الشراب واللذة الروحية وهي لذة الكتابة ولذلك جاء العنوان الفرعي ل “ولع” هو “رفوف الجنة”. انتقال من القصة إلى الرواية وحول سرعة انتقال كتاب القصة إلى الرواية يقول جلول: في الحقيقة تجربتي ليست كبيرة، هي تجربة من جملة تجارب عشرات الكتاب والانتقال من كتابة القصة فأغلب الكُتّاب الروائيين الآن في تونس انتقلوا من كتابة القصة القصيرة إلى الرواية ربما تماشيًا مع موضة الرواية وانتشارها وهو جنس يسمح بالأصوات المختلفة والتقنيات والطباع المختلفة أن تعبر عن نفسها في هذا المجال الواسع تجد راحة رغم صعوبة الجنس الأدبي إذن الرواية هي موضة حاليًا والدليل إقبال القراء عليها، وهذا لمسته حين طبعت مجموعة قصصية وطبعت 3 مجموعات ومجموعة بالفرنسية وروايتين حيث كان الإقبال على الرواية أكثر من الإقبال على القصة والناشر بالخصوص يبحث عن الربح فهو يتابع الموضة ويعرف عدد القراء ويعرف أن رواج الرواية يكون مضمونًا والربح مضمونًا لذلك نحن نعيش عصر الرواية ففي تونس صدرت 200 رواية في العشرين سنة الأخيرة بعد أن كانت 100 فقط في أواسط الثمانينيات، بحيث كانت تخرج رواية في السنة، الآن ثماني إلى عشر روايات في السنة، بالإضافة 15 رواية باللغة الفرنسية دون نسيان 3 روايات بالإنجليزية. منزلق السيرة الذاتية وحول عما يكتبه الروائيون التونسيون من سيرة ذاتية في نصوصهم يضيف عزونة: هناك كلام كثير في هذا الشأن لكنه تعسف في هذا الطرح وإنما البصمات من السيرة الذاتية في الأدب التونسي والعالمي موجودة قديمًا وحديثًا لا يمكن للمبدع أن يفلت من هذا “الانزلاق” في الحقيقة أن أغلب الأدب التونسي وأن كنت تجد فيه هذه الملامح هنا وهناك مبثوثة وأحيانًا متخفية جدًّا؛ ولكن أيضًا يجب أن نقول في الخمسين سنة الأخيرة منذ الاستقلال إلى الآن الرواية التونسية أعطت الواقع التونسي والأمكنة التونسية ما تستحقه فإن هناك مجهود روائي إبداعي في القصة وفي الرواية لمحاولة كتابة موضوعية تعطي صورة للتحولات الفكرية والاجتماعية للمجتمع في تونس، إذن تعدد الشخوص وتعدد زوايا النظر، تعدد الأساليب رغم قلة عدد الروايات 300 رواية تقريبًا ولكن في هذا العدد المحدود نسبيًا نجد ثراء معتبرًا، أو لا ندعي أن القصة التونسية والرواية بالنسبة للإنتاج في العالم العربي تحتل مكانة الصدارة لكنه في المقابل يجد مكانة خاصة وله قيمة لا تقل أهمية عما يكتب في مصر وما يكتب في سوريا والعراق وفي المغرب الأقصى. معضلة قديمة وحول عدم وصول ما يكتبه الروائيون والقصاصون للشرق العربي يقول عزونة: هذه معضلة قديمة جدًّا منذ الفتوحات الإسلامية، منذ أكثر من 1400 سنة حيث كان بين شرق الوطن العربي وغربه مشكلة قائمة الذات أدت أحيانًا إلى بروز نزاعات “عنصرية” لتباهي الشرق بما يكتبه والغرب بما يكتب، وبرز ذلك في الأدب الأندلسي خصوصًا والتباهي بالأندلس الغرب وإنتاجه، يبقى نحن ندعى أننا نقرأ ما ينتج في الشرق لا فقط لكمية الأعداد المنشورة من تلك الكتب ولا لقيمة ذلك الأدب لكن لأن لنا العزم بأن نتصل بذلك الإنتاج الأدبي الفكري، ودور النشر الشرقية لها دور في إيصال الكتب وهناك تقصير واضح من الأدباء والكتاب ومن المؤسسات الرسمية ودور النشر في بلدان شمال إفريقيا وبالخصوص وزارات الثقافة، كما أعتقد أيضًا أن هناك تقصيرًا من طرف إخواننا في الشرق في البحث أو محاولة الاطلاع على ما ينتج في الجناح الغربي من الوطن العربي وكأن هناك عقدة تفوق وعقدة تكبر لدى إخواننا المشارقة؛ إذن فالمسؤولية مشتركة ومتعددة الأسباب..