في حفل افتتاح ملتقى «المثاقفة الإبداعية: ائتلاف لا اختلاف» الذي نظمه نادي مكة الثقافي الأدبي غرة شهر ذي القعدة 1431ه، ورعاه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة، كان لسموه توجيه موفق نسمعه للمرة الأولى بهذه القوة والصرامة من مسؤول كبير، إبدال بالأسماء الأعجمية، أسماء عربية في جميع أحياء وشوارع المنطقة، وجميع المؤسسات العامة والخاصة، والمحال والمجمعات التجارية. وقال سموه بأريحية عربية لافتة: «نحن في أقدس بقعة للإنسان المسلم، نحن في مهبط الوحي، نحن في المكان الذي نزلت فيه أول آية في القرآن الكريم، وهي (اقرأ)، وهي بحروف عربية، نحن في مهد مولد آخر الرسل، وهو آخر الأنبياء، وهو عربي. كيف نقبل لأماكننا ومؤسساتنا ومبانينا وشوارعنا أن تتوهج بكلمات وبحروف وبأسماء أعجمية؟! ولهذا فإنني أطالب المحافظين، ورؤساء المناطق، والأمناء، ورؤساء البلديات البدء بتغيير اللوحات في شوارع المنطقة بأجمعها، وسوف أعطي مهلة ستة أشهر، وبعدها سأحاسب جميع المسؤولين سواء كانوا في الإمارة، أو في المحافظات والمراكز، وفي الأمانات، وفي البلديات، أو في فروع وزارة التجارة». هكذا قالها الأمير الشاعر العروبي المسلم، وحقًا: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، فعلى مدى سنوات طوال كنا وما نزال نتأذى من أسماء لا تمت إلى ديننا، ولا إلى لغتنا وموروثنا بصلة، تُعلَّق فوق شوارعنا ومحالنا التجارية و “تتوهج” كما قال سموه، بلوحات كهربائية مضيئة ضخمة، إمّا بحروفها اللاتينية مباشرة أو بترجماتها الحرفية بحروف عربية، خادشة حياءنا اللغوي، ومسيئة إلى غيرتنا على لغتنا الخالدة، لغة القرآن الكريم والحديث الشريف، ولغة أهل الجنة، ولسان الفصحاء والبلغاء من أسلافنا العرب أصحاب البيان قبل الإسلام وبعده. لقد شفى هذا التوجيه السديد صدور قوم غيورين على خصوصية هذه اللغة النابعة من خصوصية هذه الأمة العربية المسلمة، فقد كنا ومازلنا ننتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تخلو فيه مؤسساتنا من مظاهر الاستلاب الثقافي تمامًا، وأن تطغى سماتنا الثقافية العربية الإسلامية على كل مرافقنا العامة والخاصة دون استثناء. ولأمر يريده الله، كنتُ كتبتُ في هذه الصحيفة الغرّاء مقالة عنوانها: «أين الرقابة على أسماء المحال التجارية؟» نُشرت قبل شهر تقريبًا من توجيه سموه الكريم، دارت حول ما بتنا نراه كل يوم من أسماء مجمعات تجارية كبرى في مدن كالرياض وجدة، هي أسماء أجنبية صرفة، رغم أن أصحابها سعوديون، ولا تحمل «الماركات المسجلة» التي تسمّى «الفرنشايز» التي تجبر أصحابها أن لا يغيّروا في الاسم نفسه، بل أن يعرّبوه عن طريق ما يسمّى في علم الترجمة «Transliteration» وهي قواعد عالمية لا نستطيع أن نخل بها، فتجد لافتات أسماء كُتب عليها «ماكدونالدز»، و«كنتاكي»، و«بيتزا هت»، و«برجر كنج» وسواها.. أقول: إن لدينا ما يكفي من هذه الأسماء الغريبة عن مجتمعنا ولغتنا وتقاليدنا وعاداتنا وطريقة نطقنا، قبل أن يكون ما تقدمه خارجًا عن طرقنا في المأكل والمشرب، ولكننا اعتدناه مكرهين، وهي الآن بمثابة القذى في عيوننا. وإن كان قانون الفرنشايز يحكمنا في مثل تلك المؤسسات التي افتتحت فروعًا لها في كل شارع وزقاق من مدننا وقرانا، فأي قانون يجبرنا إن استخدمنا اسم البحر الأحمر مثلاً في أي مؤسسة أن نشير إليه ب: «رد سي»؟، ثم إن سمّينا المؤسسة باسم «Red Sea» بالإنجليزية، فما الذي يمنع من أن نترجم الاسم بالعربية فنقول “مؤسسة البحر الأحمر” لكذا وكذا، بدل أن نعرّب الكلمة ونكتبها بالعربية «رد سي» كما يحصل دومًا؟، ولا يقتصر ذلك على البحر الأحمر فقط، بل تجد أسماء كبيرة لمجمعات كبيرة الأصل فيها هو الإنجليزي، ثم يُعرَّب الاسم كما هو، كما أسلفت مثل استخدام كلمة: «Stars» في الاسم، فلا يُعرّب الاسم، أو يترجم إلى (نجوم) بل يُكتب هكذا: (ستارز)، فكأن الأصل في هذه التسميات هو الاسم الإنجليزي، ثم يُعرَّب كما هو، ويُكتب بحروف عربية، وتصعب قراءة الاسم كثيرًا في بعض الأحيان، ومن ذلكم اسم «ماربّيا» الذي لاحظه سموّه. ونرى أمثلة جيدة لتسميات عربية وأجنبية معًا لا تبدو ثقيلة ولا ممجوجة كاسم مجمع جديد بجدة اسمه: (Mall of Arabia)، واسمه العربي: «مجمع العرب» ولم يُضر صاحبه أن يضع الاسمين معًا في تناغم فريد. قبل توجيه سموّه لم تكن توجد أي رقابة على كثير من الأسماء التي نراها كل يوم وهي تملأ شوارعنا، وكثير منها غريب عجيب، وما أنزل الله بها من سلطان، وبعد مرور شهر على توجيه سموه الكريم، نعد الليالي ليلة بعد ليلة في انتظار أن تخلو منطقتنا، ومن ثم مجتمعنا كله إن شاء الله من مظاهر التغريب والاستلاب الثقافي.