تساءلتُ كثيرًا عمّا يُروّج له من الأغاني الجديدة بأنه فن، ومن يقدمه فنانون، وفي صراع تشهده الساحة الغنائية السعودية بين من تبقى من جيل يحاول أن يحافظ على ما تبقى من كرامة الأغنية السعودية، وبين آخر يقدم كل شيء كسلعة مهما تهاوت الكلمة واللحن والذوق، بل ربما كانت الكلمات الفارغة أو «السوالف» للأغاني الجديدة هي سبب في انتشارها وشهرتها، وانتقلت الأغنية لمستوى تخلو فيه من الكلمة الأديبة واحترام أذن المستمع والموسيقى الشرقية الأصيلة إلى مستوى الصخب والسطحية والسرعة، وربما كل هذا هو ردة فعل لدرجة الثقافة العامة للشباب والتي تتفاعل جيدًا مع هذه الأغاني الجديدة كرجع صدى يظهر جليًّا في المبيعات، وعلى الانترنت. هل تستطيع أيُّها القارئ الجميل أن تقرأ هذه الكلمات، وتتخيلها كأغانٍ ملحنة تبثها الإذاعات على ملايين المستمعين..» خليها وعليها.. كبرها دلّع فيها.. عيش الحياة وقضيها.. مش طلبه مش ناقصين.. إيه يعني لو ترضيها..» وأخرى: «بلا حب بلا وجع قلب.. وش جانا من ورا هالحب.. غير الألم والتعب.. وش جانا..؟؟» إلى آخر القائمة الطويلة، أين إذن في ميزان الفن ترى هذه الكلمات التي تسقط لغويًا وأدبيًا وتربويًا وتوحي بمعانٍ غربية جدًا ومتناقضة. أضف إلى ذلك محاولاتهم التي ضجت بأذاننا في حمى من التقليد لموسيقى أمريكية، قامت على أساس ثقافة ولغة أمريكية خالصة، فكيف نستوردها بشكلها، ثم نقدمها بلغة ملتوية للجمهور، فالهيب هوب والروك وغيرها هي أسلوب حياة كاملة فعلى المقلدين أن يقلدوا كل تلك الحياة بكاملها بلغتها بكل ما فيها لا أن تجتزأ في شكل مضحك أشبه بالكوميديا. والمشكلة أن بعض الشركات تحاول أن تضخ مثل هذه الأصوات فنيًّا بشكل مكثف لتغزو الأذن الشبابية وتحولها إلى هذا الأسلوب السريع، والذي تطغى فيه الموسيقى لتسد كل ثغرات العمل من كلمات تافهة، وربما صوت متواضع ولحن متعثر، وهذه السياسة الطاغية في الأعمال الجديدة أثبتت نجاحها، فهناك قبول كبير من الشباب على هذه الأعمال التي تخاطب أسلوب الحياة السريع الصاخب الراقص المستورد. نحن بصدد تغير جذري يحمله المستقبل القادم في تردي الأغنية السعودية، والمغنون السعوديون حرفًا وفنًا وستعلو الموسيقى أكثر وأكثر كلما اختفت المعاني الصادقة من الكلمات المُغناة، وباتت الكلمة أكثر صفارةً وبُهتًا، ولم تأخذ الأعمال دورتها الوقتية لتنضج وتظهر للجمهور، إني متشائم جدًّا، وأرى أنه قد ولى التراث الفني السعودي طلال مداح فوزي محسون أبوبكر سالم محمد عبده عبادي الجوهر، وأسياد الكلمة السعودية من ذاكرة الجيل الجديد الهارب، وانتفت عندهم أسماء كفريد الأطرش، وأم كلثوم، وفيروز، وصباح فخري، وكاظم الساهر وغيرهم عربيًّا، وأتى اليوم الذي نقول فيه لبرنامج قديم كان يُعرض على القناة السعودية الأولى اسمه «زمان يا فن» - يَعرض الأعمال الفنية القديمة بالأسود والأبيض لفناني المملكة- «زمان.. زمان يا فن». عبدالله الزهري - جدة