كان لافتاً مهماً ما طرحه الأمير خالد الفيصل كشعار لموسم الحج الحالي وهو -الحج عبادة وسلوك- وواضح ما يقتضيه الشعار من تحفيز على ممارسة الأخلاقيات الإسلامية التي هي في ذاتها عبادة ولكن تُعطي مظهراً حضارياً حين تُمارس بشفافية سلوكية تحترم الإنسان والمنشاة... وأين.. في البقاع المقدسة.. وهنا يطول الشرح عن رغبتنا الصادقة في أن تكون حركة الحجيج ومُثلهم وحديثهم وتصرفاتهم تنعكس من هذا الشعار الذي هو في أصل مادته توجهات شرعية تفوت على كثير من النّاس ومنها أن يتقاتل الحجيج ازدحاما على أمرٍ فيه سعة من الخلاف وربما هو مندوب أو سُنّة كتقبيل الحجر الأسود وغيره من المناسك التي فيها درجات للوجوب وفسحة في الوقت ولكن يُصّر بعض الحجيج على تأديتها ولو أدت للإضرار بأخيه المسلم بل وقد توصل إلى قتله لا سمح الله خاصة في صور الجماعات التي تتكتل بقوة و تخترق نظام الحجيج فوضويا فيسود الازدحام ويسقط الضعفاء تحت الأقدام، وأن برنامج التوعية للحجيج ليس مسؤولية المملكة وحدها لكنه أيضا مسؤولية المستوى الرسمي والشعبي الإسلامي وخاصة نخب الدعاة والموجهين لتوصيل هذه الرسائل إلى عموم الحجيج والمعتمرين. وهناك أيضاً قضية مفصلية في أصل الخلق الإسلامي تغيب عن بعض الحجيج وهي النظافة في حاجيات الطعام والشراب وفي قضاء الحاجة والاستتار، وهذا التقصير من بعض إخواننا الحجيج في هذه الجوانب يتسبب في إيذاء الموسم وباقي الحجيج وبقاع النسك وشعائره وتحتاج إلى تركيز في التوعية من مصادر بلدان الحجاج إضافة إلى النشرات المصدرة في المملكة، لكن هذا أيضاً مرتبط بصورة كبيرة جدا بتوفير حركة أكثر دينامكية في مشاريع النظافة تنقل تلك الجبال الضخمة من المخلفات التي ما أن يحل يوم التعجيل حتى يروع عالم الحج من منظرها فلا بد من إيجاد آليات للتخفيف منها خِلال الموسم مع تقديرنا لحركة الازدحام في الطرق والحشود الكثيفة في مداخل طرق منى الداخلية. وما ذكرتُه هنا من واجب العناية الذاتية لبرنامجنا الوطني في الحج من حيث إنه عبادة ومن حيث القيام بالأمثل وتطويره هو ما قصدته في العنوان -المواطنة عبادة وسلوك- لكي نقوم من جانبنا بتحقيق الأخلاقيات الإسلامية في المواطنة كمباشرة تنفيذية يراها الحاج في المواطن المدني وفي أخلاقياته وتواضعه وتجسيد معنى التآخي الإسلامي والإنساني بمد يد العون له والتسامح معه والبشاشة في وجهه وهو أيضا لدى كل صاحب صنعة من سائقين أو بائعين أو مستثمرين صغار يتكسّبون من الموسم فالظلم الذي يرتكبه بعضهم إثمه مضاعف ومن أخلاق المواطنة الإسلامية الحضارية أن يُعمل ولو بالتدرج لتخفيض حالات الغش أو الاستغلال ومعاقبة أصحابها ومن وفىّ لوفد الله ذمته بأمانة فقد فاز بأجر المنزلين. وهنا يترتب على ممارسة المواطنة الأخلاقية مع الحجيج في ميدان التجار والمستثمرين في ناحية مقاولي الحج والمطوفين والمقاولين المساندين مسؤولية عظيمة في أن ينظروا مصلحة الحاج وتأمين التزاماته بأمانة وعناية إنسانية تراعي جهل بعض الحجيج لقضايا التنقل بين النسك وتحرص على سلامتهم ومستوى معيشتهم وغير ذلك من أعمال متصلة بالحجيج من نقل وغيره، وأن العمل اللاأخلاقي هو أن يُنظر إلى تلك الوفود على أنها كتل بشرية مفتوحة للاتجار فيُسعى للاقتصاد في النفقات وتهضم حاجيات أساسية على حساب حقوقهم، ومن المؤكد أنّ كل تاجر ومستثمر له الحق أن يكسب لكنه مؤتمن في هذا المنسك العظيم على الكسب المشروع لا الاستغلال المرتزق. ونختم بقضية مهمة لمسألة المواطنة المؤسسة لشعار الأمير في الجانب الداخلي الوطني وهي أخلاقيات المؤسسة الأمنية وتعامل أفرادها وقياداتها باحترام بالغ مع الحجيج يشعرونهم بأنهم مؤتمنون على رعايتهم لا على مطاردتهم، وأُدرك تماما ذلك الاختناق الشديد الذي يحيط بالمنافذ والطرقات والغازات التي تصبها العوادم على رجال الأمن بكل فئاتهم وبالتالي ضعف قدرة العسكري على احتمال ذلك الضغط وهو ما يترتب عليه تقليل ساعات الورديات ومضاعفة المكافآت المستحقة مع تشديد التعليمات للأفراد والضباط الميدانيين بالتعامل الأخلاقي الراقي مع الحُجّاج.. حينها سنعطي نموذجا حيا لدعوة الحجيج إلى شعارنا وكأنما نقول لهم عمليا ودون منّة.. قد بادرنا نحن بواجبنا قبلكم يا أكرم الضيوف.. فهلموا وإيانا لنقتدي بأكرم الرسل وسيد الخلق صلى عليه اله العرش وسلما. [email protected]