مساجد كثيرة منتشرة في بعض الأحياء، خاصة التي لا تتوفر بها الخدمات المناسبة، لكنها تعاني من عدم وجود بعض الخدمات الضرورية بها، أو قد تكون هذه الخدمات مثل التكييف أو الإضاءة أو النظافة ليست بالجودة المطلوبة، فكيف نشأت هذه المساجد؟ وعلى عاتق من تقع مسؤولية تشغيلها وإدارتها؟ وماذا ينبغي على المختصين أن يفعلوا؟ وهل يجوز هدم تلك المساجد أو إيقاف عملها؟ أسئلة حملتها “الرسالة” وتوجهت بها صوب مجموعة من العلماء والدعاة والمسؤولين؛ فأفادوا بما تجدونه بين السطور التالية: تخطيط مستقبلي بداية يؤكد الداعية المعروف الدكتور عوض القرني أن الجهات المنظمة للسكن والمخططات يجب عليها أن تضمن توفير أماكن كافية في كل مخطط لإقامة المساجد، وقال: إن كانت المخططات حكومية فلا بد من مساجد حكومية، وإن كانت مخططات خاصة فلا بد أن تُستقطع منها مساحة من الأرض، كما يقتطع للشوارع والحدائق، فعليهم توفير مساحة للمساجد بالقدر، الذي يستوعب السكان المتوقعين في ذلك المكان، وإذا قصر المخططون والمعتمدون في هذا الجانب فهم آثمون بلا شك، لأن هذا التقصير قد يكون لحسابات مادية بحتة. ويواصل القرني: إذا لم توجد مساجد نظامية بالقدر الكافي فلا يجوز للناس أن ينشئوا مساجد عشوائية للصلاة فيها، لكن إن لم يكن هناك مكان مخطط ومجهز لأداء الصلاة ولا يوجد بالحي الذي يقطنون فيه مكان للصلاة فهنا عليهم أن يجتهدوا لإيجاد مسجد بقدر استطاعتهم، فلو تبرع أحد الناس بجزء من أرضه أو مبناه ليقيم الناس الصلاة فيه فهو مأجور بلا شك، والواجب على الآخرين التعاون معه لإكمال مرافق المسجد ونظافته، وإن وجدت المساجد المعتمدة في هذه المخططات الكافية للناس فلا يسمح للناس بإنشاء مصليات ومن المفترض عدم السماح للناس بالصلاة فيها مع وجود المساجد القريبة التي تكفي للناس. وبيّن القرني أنه لا يجوز للناس عمل مثل هذه المساجد أو المصليات إن كان المسجد يبعد مسافة قريبة عنهم، فلو كانت المسافة تستغرق دقيقتين أو أكثر قليلًا فلا يجوز لهم إنشاء هذه المساجد، منوها إلى إن كانت المساجد بعيدة بمسافة كبيرة ويجد كبار السن مشقة في السير، أو من في جسمه ثقل، ولا يمكن الوصول إليها إلا بالوسائل الحديثة فحينئذ يجوز لهم أن يجتهدوا في عمل مصلى لهم حتى تحل مشكلتهم. وقال: إذا كان هناك حرص في المستقبل على الحدود المناسبة في اعتماد المخططات فلن تنشأ المشكلة ولكن ما نراه الآن هو عبارة عن بعض القرارات الخاطئة. السعي لتقليلها من جهته أوضح عضو مجلس الشورى وعضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى الدكتور ناصر بن عبدالله الميمان أنه من المفترض العمل على تقليل هذه المساجد “العشوائية”، التي لا تتوفر بها الخدمات وألا يسمح بوجودها من الأساس، وقال: هذه المساجد لا توفر الجو الروحاني الذي يمكن أن تؤدى فيه الصلاة، وفي نفس الوقت ستوقع المالك في حرج كبير فيما بعد، فالوقف سيؤثر على المالك في المستقبل ولن يصبح ملكًا للورثة وهذا يؤثر على ملكية الأرض وقد يأتي بعض القضاة ويوقفها، فهذه إن كانت مصليات للصلاة المؤقتة فلا بأس بها، ولكن أن تأخذ صفة الاستمرارية وتصبح مساجد عشوائية لا تتوفر بها أساسيات المساجد فهنا يجب أن تتعاظم الجهود لمنعها والتقليل منها قدر المستطاع. واقترح الميمان لعلاج هذه الإشكالية أن يتم توفير مساجد نظامية، ويكون ذلك بجمع المبادرات الخيرة من الناس، وقال: المساجد “العشوائية” وجدت لعدم وجود مكان يصلي فيه الناس، ولذلك نجدهم أقاموا هذه المساجد واقتصروا عليها، ولا بد أن توفر المساجد المتكاملة لهذه الأحياء المحتاجة، ويمكن الاستفادة من الجهود التي تبذل لإقامة هذه المصليات العشوائية لبناء مساجد متكاملة في جميع الأماكن. وأقول لمن قام ببناء هذه المساجد: “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”، فلا يجب بناء المساجد إلا على المقتدر، والدولة تتكفل بهذا الموضوع، فوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف اهتمت بهذا الجانب والمتبرعين كثر، لكن أن يكون بناء المساجد العشوائية بهذه الطريقة فهذا ما يحرج الناس من تركهم للصلاة في هذه الأماكن وكذلك من صلى بها فإنه لن يجد الروحانية، والمسلم باستطاعته الصلاة في بيته إن كان المسجد على بعد مسافة كبيرة لا يستطيع الوصول إليها فبإمكانه الصلاة جماعة في بيته. مزايا خافية من جانبه يقول الرئيس السابق لقسم العدالة الجنائية والبحوث بجامعة نايف العربية الدكتور محمد بن المدني بوساق: المساجد الصغيرة ينبغي أن تكون بالقدر المناسب إن كان التخطيط جديدًا في الحي، بحيث تغطي هذه المساجد كل الحي ويكون هناك مسجد كبير يجمعها، فهذا من التنظيم، فلا بد أن تجعل مساجد أو مصليات للصلوات الخمس شريطة أن تكون منسقة ومنظمة، ولا بد من تنظيمها وتخطيطها وألا تكون بغير حساب. المساجد التي قد بنيت في الماضي بطريقة عشوائية لا بد من إعادة النظر فيها وتنظيمها حسبما تتطلبه الجودة في الأداء العمراني وكذلك في ترتيب الأحياء وتنظيم الناس بحيث يستطيع كل واحد أن يصلي الجماعة دون مشقة أو تعب. واستدرك بوساق قائلًا: هذه المساجد “العشوائية” التي أنشئت منذ الماضي بها ميزة قد يغفل عنها كثير من الناس وهي أنها تدرب الأئمة، فهذا يساعد في حل مشاكل الناس ومساعدتهم، والإمام له دور كبير وقد يقوم مقام مؤسسات كبرى اجتماعية وصحية في الدول الأخرى، فهذه النقطة قد يغفل عنها الكثير وهي ميزة المسجد وإن كانت عشوائية. وقدم بوساق نصيحة للقائمين على هذه المساجد أن يتقوا الله سبحانه وتعالى وأن يعلموا أن هذه مسؤولية فهم يتعاملون مع الله، وقال: ليعلم هؤلاء أنه في حالة غفلت العيون البشرية عنهم؛ فلا بد من مراعاة مراقبة الله عليهم وأن يكونوا في حل من أمرهم وليعلموا أن المساجد لها حرمتها سواء كانت كبيرة أو صغيرة، وجميعها بحاجة إلى الاهتمام وتوفير الخدمات كافة. قلة وندرة من جانبه أوضح مدير جامعة الأمير محمد بن فهد الدكتور عيسى حسن الأنصاري أن هذه المساجد التي تقام بشكل عشوائي تخضع لظروف المدن المختلفة في المملكة، وقال: أعتقد أن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف وضعت خطة معينة للتعامل مع هذه المساجد، ومسؤولية تنظيمها تقع على عاتق الوزارة فقط. وطالب الأنصاري بإجراء بحث لمعرفة أسباب نشوء هذه المساجد “العشوائية” في بعض مناطق المملكة متسائلًا بقوله: هل هي موجودة في مناطق لا توجد بها مساجد منظمة، فإذا وجدت مساكن عشوائية فالسبب معروف وهو عدم وجود مساكن منظمة، ولكن عند رؤية البعض لمساجد عشوائية؛ فالمشكلة تكمن هنا، فهل السبب عدم وجود مساجد نظامية في بلد مثل المملكة، فالسؤال الأول الذي يجب أن يطرح هو: لماذا وجدت هذه المساجد؟ من المفترض ألا تقوم مثل هذه المساجد من الأساس فهناك جهة مسؤولة من الدولة وهي وزارة الشؤون الإسلامية والذين يريدون بناء مساجد من “وقف” عليهم مخاطبة وزارة الشؤون الإسلامية لضمان تحقيق المنفعة. واختتم الأنصاري بالقول: إذا كانت هذه المساجد مخصصة لفئة من العمالة أو الساكنين الذين يرون أن المسجد بعيد عنهم فيجب أن تزال هذه المساجد، لأنه لا يوجد أي مبرر لوجودها. ----------------------- أكد صعوبة إغلاقها لأنها بيوت الله فدعق: المسؤولية تقع علينا جميعًا وليس الوزارة فقط يؤكد رئيس المجلس البلدي بجدة وعضو مجلس الشورى الدكتور طارق علي فدعق أن هذا الموضوع ينبغي أن ينال حظه من الرعاية والاهتمام، ويقول: هذه المساجد بيوت لله عز وجل ولا بد من توفير جميع الخدمات في المساجد كافة، فكثير من المصلين يؤدون صلاة الجماعة في بعض الأوقات خارج المسجد لصغره. أما الحد من عشوائية المساجد فهو قد لا يكون متاحًا من الصعب إلغاء مساجد يذكر فيها اسم الله وتعوَّد الناس على دخولها، لكن لا بد من الاهتمام بهذه المساجد وتوفير الخدمات الضرورية التي يحتاجها المرتادون وليس بتقليص عددها. وأبان فدعق أن هذا الموضوع لا يقع على عاتق وزارة الشؤون الإسلامية فقط أو من قام ببناء هذا المسجد، بل يقع كذلك على المصلين في تلك الأحياء التي نجد بها هذه المساجد والجميع يتحمل المسؤولية ولا بد من الجميع التكاتف من أجله، ويقول: المساجد لها توزيع رسمي من الناحية السكانية وليس بالضرورة أن يكون في وسط الحي وإنما المهم أن يقع داخل المنطقة السكانية ويكون موقعه مميزًا للجميع ويسهل الوصول إليه من جميع الاتجاهات في الحي الواحد، وبهذا لن نجد مرتادين للمسجد فقط بل سنجد أناسًا يهتمون بمراقبة المسجد والاهتمام به. فينبغي على جميع المسلمين الاهتمام بهذه المساجد وألا يتركوا ذلك فقط على الوزارة، فليس من الضروري أن يكون المسجد على مستوى عال من النظافة والتكييف بل يكتفى في بعض الأحيان بتوفر بعض الأشياء الضرورية كسهولة وصول بعض الفئات الخاصة وما يؤسفنا أن بعض المساجد لا يتوفر بها الاهتمام بتلك الفئات.