تصافحٌ باليدِ واليدَينِ أخرجه البخارِيْ مرَّتينِ هذا البيتُ من روائع ما أفادني به شيخنا العلامة أحمدُّ (بضم الدال مشددةً) الشنقيطيُّ ( ت1428ه) رحمه الله، وأنكرتُ حين سمعت أن يكون ذلك في كتاب البخاري (الجامع الصحيح) ثم تبيَّن بعد البحث والتأمل أنّ المراد بتصافح اليدين هو ما رواه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (علّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد، كفّي بين كفّيه) أخرجه في غير موضع من صحيحه، أحدهما: تحت ( باب المصافحة ) والآخر: تحت باب (الأخذ باليدين) وفي بعض النسخ (باليد ) ثم قال: (وصافح حماد بن زيد ابن المبارك بيديه) وذكره في كتابه (التاريخ) مسندا إلى حماد ، كما أورده ابن حجر . وصنيع الإمام البخاريّ – وهو الغوّاص في عميق المعاني – يشير إلى هذا المنزع بتلميح ، يجنح إلى التصريح ، واكتفى بالمصافحة في أحد البابين ، ولم يذكر اليدين ، وصرَّح باليدين في الباب الآخر ولم يصرِّح بالمصافحة ، واكتفى بالأخذ، وهو من دقّة فقه البخاري وعميق فهمه، يشير إلى أن من فعل ذلك فله منزَع ، فلا لوم عليه، لا على أنه أصل في صفة المصافحة، فالهدي العامّ وسيرة السَّلف الطيّب يفصحان عن التصافح باليَمينين وحسْبُ.. ثم للناس بعد ذلك طرائق مختلفة ، فمنهم من يشدّ عضد أخيه بيده، أو يسندها إلى ذراعه، ومنهم من يقبض على اليد بقوة كأنه يعصرها، أو يهزُّها كأنما يزنُها، أو يُرعشها كأنما ينفضها، ومنهم من يأخذ بيد أخيه يجرُّها إليه، أو يقبض على راحته ثم إبهامه ثم راحته، ومنهم من يُودِعك أصابعه لتنام كالعصفور بين يديك، وأبعدهم عن روح المصافحة وحقيقتها من يمسّ راحتك على عَجَل ، كأنك السامريّ صاحبُ موسَى، هكذا من غير نظرة ولا كلام ولا تبسُّم يمحو به سواد فعلته ، وكان من خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم أن لا ينزع يده من يد مصافحه حتى ينزع الآخر، والنزع لا يكون إلا عن تصافح بقوةٍ وإحساس، لا بمجرد وضع ومساس، كما يفعله كثيرٌ من الناس.