إن رومان جاكبسون قد أثبت أدبية الأدب عندما نقل النموذج الاتصالي من الأعلام إلى النظرية الأدبية، وكانت عناصر الاتصال تقوم على ستة عناصر وتتنوع وظائف اللغة بحسب تركيزها على عنصر من هذه العناصر فمثلًا تظهر الوظيفة الأدبية حينما تركز الرسالة على نفسها، وفيما بعد أضاف الدكتور عبدالله الغذامي العنصر السابع وقد اسماه بالنسق وهو ما اختفى خلف الخطاب، وقد عملت الثقافة على ترسيخه في عقلية المتلقي، وهو ما يتركه الخطاب من تأثير في ثقافة الأمة، فالخطاب يحمل خلفه أمورًا يسعى لترسيخها في عقلية المتلقي، وذلك من خلال أساليب خاصة يستخدمها، فالأثر الذي تركه الخطاب في ذائقتنا يمكن تسميته بالنسق الذهني. وعند جاك دريدا ظهر مفهوم الأثر Trac الذي يعني به كما يذكر الغذامي بأنه التشكيل الناتج عن الكتابة، وذلك يتم عندما تتصدر الإشارة الجملة، وتبرز القيمة الشاعرية للنص، ويقوم النص بتصدر الظاهرة اللغوية، فتتحول الكتابة لتصبح هي القيمة الأولى هنا وتتجاوز حالتها القديمة من كونها حدثًا ثانويًا يأتي بعد النطق وليس إلاّ أن يدل على النطق ويحيل إليه، وعندما نقرأ مفهوم (الحوارية) عند باختين نجدها تقوم على حوار دائم مستمر بين ما هو موجود وما هو متواجد. فالوجود لا يكون للشيء في ذاته ولا لذاته، ولا في وجود ما هو موجود حوله فقط بل بالحوار بين الاثنين، وأن الحوارية في مفهوم باختين تعتمد التزامن والاختلاف كمنطلقين رئيسين لفهم الوجود والوعي الإنسانيين. انطلاقًا من قراءة فكر النقاد الذين اشتغلوا بتحليل الخطاب نجد أن منظومة الاتصال تعمل على سلبية المتلقي بحيث نجده مستقبلًا للخطاب مؤثرًا فيه بما يحمله من نسقية مضمرة، ونحن هنا نقترح بإجراء تعديل على نظرية الاتصال بحيث تعديل عنصر (المرسل إليه) إلى (مرسل) لأنه في خطاب ما بعد الحداثة أصبح هذا العنصر إيجابيًّا يساعد في إنتاج الخطاب، بينما كان عنصرًا سلبيًّا عند جاكبسون والغذامي يستهلك الخطاب دون وعي وسوف نقدم لاحقًا أمثلة على تفاعله وإيجابيته في إنتاج الخطاب. كما نقترح إنتاج رسالة مرجعة من الطرف الآخر في الحدث التواصلي يكون من خلالها مساعدًا في بناء الخطاب بحيث يظهر فيها إيجابيته في القبول أو الرفض أو المناقشة، ويجب علينا أن نتجاوز مرحلة جاك دريدا في مفهوم الأثر لأن دائرة الرسالة توسعت في مرحلة ما بعد الحداثة حيث دخل في طياتها النخبوي والمهمش، ومن سمات هذا الخطاب بروز للمهمش في عقلية المتلقي بشكل أكبر ولا سيما ثقافة الصورة، وكذلك يجب علينا تجاوز حوارية باختين لسبب ان الرسالة المرجعة من المرسل الآخر إلى المرسل الأول إيجابية تبرز فيها سمات تجاوزت التزامن والاختلاف عند باختين بل أصبحت ذات مركزية في تركيزها على ذاتها بحيث تجاوزت الشاعرية عند جاكبسون وإنما توسعت في مدلولاتها وسنقدم في مقال آخر أمثلة تطبيقية على اقتراحنا هذا.