شاءت الأقدار أن اصطحب والدتي المسنة إلى مستشفى أحد بالمدينةالمنورة، فقد كانت تعاني من وعكة صحية ألمت بها، فاتجهت بمركبتي إلى مدخل الطوارئ على وجه السرعة فما إن هممت للدخول إلى المسار المؤدي لقسم الطوارئ حتى تفاجأت بوقوف سيارة وانيت تابعة للشؤون الصحية (قسم التموين) تعيق الطريق بالكامل فخال في ذهني أن إدارة المستشفى قد حولت مسار الحالات الطارئة بما فيها سيارات الإسعاف إلى طريق آخر، ولكن لم أر أي لوحات إرشادية تفيد أو تشير إلى ذلك، فارتجلت من مركبتي متجهًا إلى أحد رجال الأمن الموجدين عند مدخل الطوارئ وأخبرته أن لدي حالة طارئة ولم استفسر عن الأسباب، فأشار إلي أن أدخل من طريق الخروج فاتضح لي بعد ذلك أن مواطن عادي ممن يمثلون وزارة الصحة -وللأسف الشديد- هو من قام بتلك المخالفة الجسيمة غير مبالٍ بخطورة ما أقدم عليه من إعاقة دخول سيارات الإسعاف والمصابين إلى قسم الطوارئ، والأَمَرّ من ذلك شاهدت أحد رجال الأمن يعاتب سائق المركبة المخالفة حين خروجه من المستشفى وكانت إجابته بكل برود (ما عليك.. ما عليك)! وعلى حسب علمي أفاد رجل الأمن أنه رفع شكوى إلى النائب الإداري بالمستشفى عن الواقعة، والحدث الثاني عندما وصلت إلى باب الطوارئ كان المسؤول عن نقل المرضى إلى داخل المستشفى وافد أسيوي حيث كان منسجمًا مع مكالمة خاصة بجواله، ولم يستفق من عبثه إلا بصراخ صدر مني زلزل أذنيه المنشغلتين فأسرع بعدها بإحضار سرير متحرك، وكان مرتفعًا جدًا يصعب عليَّ حمل والدتي لشدة ارتفاعه، فطالبته بسرير منخفض، قال لي لا يوجد، فاضطررت إلى حمل والدتي والاستعانة بكرسي متحرك يتدلى من أطرافه السفلية حبل غسيل لكي يضع المريض قدمه عليه، وبعد إدخال والدتي إلى الداخل اكتشفت أنه يوجد بجوار مدخل المستشفى عدة أسرة منخفضة وأخرى مرتفعة! ولكن ربما كان أخونا العامل ينتظر مكالمة مهمة أدت إلى صرف روشتة (لا يوجد سرير).. بعد ذلك بدأت الكشوفات والتحاليل والأشعَّات المختلفة على والدتي، رغم الزحام الشديد، وكانت الساعة حينها العاشرة مساء حتى قرر الأطباء تنويمها في المستشفى لأن الحالة تستدعي ذلك، فاتجهنا بصحبة الممرضات إلى المصعد، وكانت الساعة تشير إلى الثالثة فجرًا تقريبًا أي أنها قضت نحو الخمس ساعات ما بين انتظار وفحوصات وخلافه، فحمدنا الله أنها أخيرًا ستصعد إلى الأعلى فطلبت الممرضة المصعد ليقلنا إلى الأعلى حتى سمعت أنينًا يصدر من بابه، كأنه يشتكي مرارة الزمن وحرمانه من حقه للصيانة، وينذر بخطر قادم، وربما لا يحمد عقباه، وبالكاد يفتح أبوابه ليستقبلنا حتى شاهدت الممرضة تقدم العون والمساعدة لذلك المصعد البائس في فتح أبوابه، فتحدثت مع الممرضة عن سبب ذلك عندما رأيت أيضًا أن المسكين يرفض أوامر الصعود إلا بالضغط عدة مرات على المكابس الخاصة لذلك حتى يستجيب فلم أتم حديثي إلا وأشارت إلى مصعدين آخرين قد فارقا الحياة وأصبحا في عداد الموتى (مقفلين لعدم الصيانة). * تأملات ووقفات: - ما شاهدته بوقت وجيز وفي يوم واحد ومن جهة واحدة فقط وهي طوارئ مستشفى أحد ينبئ بكوارث أخرى داخل المستشفى. - إذا صدق مسؤول الأمن عن رفع شكوى في سائق المركبة إلى إدارة المستشفى يجب إيقاع أقصى العقوبة عليه وخاصة أنه من منسوبي وزارة الصحة وغير مبالٍ بحقوق المرضى، ثم أين كان حراس الأمن منذ البداية..؟! وكيف تركوا المركبة معترضة مرور الحالات الطارئة..؟! ووالله ثم والله مرت سيارة إسعاف وحصل معها ما حصل معي!. - يجب إيجاد آلية سريعة لنقل المريض من الطوارئ إلى داخل المستشفى لمن يحتاج التنويم، فلقد انتظرنا وقتًا طويلًا جدًا حتى فرغ الطبيب من كتابة تقرير الحالة، ولماذا لا يستقبل الممرضون الحالات الطارئة ويساعدون المُرافق في إدخال المريض إلى داخل القسم..؟ أم أن الخدمات مقتصرة على سيارات الإسعاف فقط..؟! هذا إذا كانت تُقدَّم لهم بالفعل. - وأخيرًا.. رسالة إلى كل العاملين بالمستشفيات أقول فيها: إن ما تقدمونه من خدمات وأعمال صحية جليلة لا تُقدَّر بثمن، وجزائكم عند رب العالمين، ولكن ثقتنا بكم في تقديم المزيد، والاهتمام بالمريض منذ دخوله المستشفى حتى يمنّ الله عليه بالشفاء هو مطلب للجميع، وهو ما نتطلع إليه. ونريد منكم الأفضل. هاني إبراهيم مظهر- المدينة المنورة