قابلني ذلك الوجه الساخر ذات ليلة متهكّمًا وهو يقول: هل تظنين بأنّ العالم اليوم يحتاج إلى التفاؤل..؟!! نظرتُ إليه ثمّ عدت أنظر إلى الورقة التي ختمتها بعبارة: حتى في أحلك الظروف هناك دائمًا ضوء.. ولكني ما لبثتُ أن أعدتُ النظر إليه وأنا أقول في ابتسامة نعم لم لا..؟!! فلنتفاءل.. نظر إلي بازدراء أكثر وهو يقول: يا لكبريائك.. حسنًا سأقول بأني متفائل.. أو سأدّعي بأني متفائل خصوصًا حين أخرج للبحث عن عمل ولا أجد شيئًا بل لا أجد من سيستقبلني بروح جميلة ويفتح لي آفاقًا ولو حتى على سبيل المجاملة... أو بث روح الأمل في النفس... ليست المسألة في التفاؤل قضية شخصية صرفة... زادت ابتسامة سخريته قليلًا وهو يقول: أحقًا..؟!! إذن ربما سأقول بأني متفائل حين أرى الحروب كلّ يوم على شاشات التلفاز.. بل ربما سأتفاءل أكثر إذا رأيت الفقراء والمحطمين في ازدياد كلّ يوم.. وقد أعبر أكثر عن مدى تفاؤلي كلما رأيت فكر الشباب وثقافتهم في هبوط مستمرّ... لا تصعّد الأمور إلى هذا الحدّ.. فبالرغم من نظرتك هذه فأنتَ تستمتع بوقتك في أغلب الأحيان. أليس ذلك مدعاة للبهجة والسرور..؟!! فأنتَ تعيش في صحة.. وتخرج لتقابل الآخرين.. وتتحدث.. وتضحك ملء شدقيك.. وتستنشق الهواء العليل.. وترى ضوء الشمس كلّ يوم... وقد يتسنى لك أن تعمل ولو لبضعة أشهر.. وترفه عن نفسك بقدر ما تستطيع.. ألا ترى أنّ هذه مساحة كافية لترى الجانب المشرق في حياتك ومن خلاله تستطيع أن تحقق ما تريد لو ثابرت وكانت لك إرادة قوية..؟! نظر وقد تقلصت ابتسامته قليلًا ليقول بسخرية أكثر: أوووه لم أكن أعلم أنني أعيش في بقعة الضوء.. ولكن للأسف أنّ هذه البقعة أنتِ من رسمها.. غير صحيح.. فالتفاؤل موجود حتى في العالم من حولنا... صحيح هناك كوارث ولكن هناك على الجانب الآخر حياة سلام وإنتاج وحضارة.. نظر إلي بريبة ثمّ أخذ يتطاول كمن ينظر إلى شيء من النافذة.. ثمّ قال بتهكم ممزوج بضحكة: يا الله لقد رأيت هذا العالم.. كم العالم مليء بالتفاؤل..!! كيف لم أر كلّ هذا..؟! نظرتُ إليه بجدية أكثر من قبل وقلت له بغيظ: أيها الساخر.. حتى لو كان هذا العالم الذي حولنا جوانبه السلبية تطغى على جوانبه الإيجابية فهناك أيضًا مساحة ضوء تجعلنا ننظر للأمور بتفاؤل.. فنحن نتعلم من هذه السلبيات لنكوّن تجارب قد تنتهي بالنجاح... نظر إلي بغرابة وكأني قادمة من عالم آخر ثمّ قال بسخرية: كان الله في عونك.. عيشي في أوهامك.. أما أنا فبالنسبة لي فقد مات التفاؤل.. خرج الساخر وأنا أفكر في جملته الأخيرة.. هل يمكن أن يموت التفاؤل..؟!! معقول أن يقتل شبابنا التفاؤل بهذه السهولة..؟!!!!! ألقيتُ نظرة على العبارة التي كتبتها: “حتى في أحلك الظروف هناك دائمًا ضوء... “ابتسمت وأنا أكمل كتابة العبارة..” لا يراه إلا المتفائلون. فربما يغفو التفاؤل قليلًا في قلوب بعض المحطمين والمنكوبين.. لكنه لا يلبث أن يستيقظ.. والغريب أنه لا يستيقظ من وحده بل هو الشخص بنفسه يوقظه..!!!