من المعروف اقتصادياً أن قوة العملة النقدية لدولة ما، في تناسب طردي مع اقتصادها. بمعنى أنه كلما كان اقتصاد أي دولة قوياً، كانت عملتها قوية. يحدث هذا الآن ومنذ أن ألغت الولاياتالمتحدةالأمريكية في السبعينيات الميلادية تغطية عملتها بالذهب، فتبعتها معظم الدول في ذلك. فنشأت من ثم حالة الارتباط الشديد بين اقتصاد الدول وعملاتها من حيث القوة والضعف، بعد أن كانت قوة العملة مرتبطة بمقدار تغطيتها بالذهب في الاحتياطي العام. ولكن الذي يحيّر أن بعض العملات الضعيفة القيمة، هي في مركز القوة أمام العملات القوية، فتشن عليها الدول ذات الاقتصادات الكبرى الحملات الاقتصادية والتجارية والتشريعية! ألا يبدو هذا الوضع غير منطقي؟ ولتوضيح الصورة لنأخذ مثلاً «اليوان» عملة الصين التي تتعرض في هذه الأيام لحملات كبيرة من الاتحاد الأوروبي ومن الولاياتالمتحدة بتهمة التلاعب بقيمتها، حيث أنه يقدّر أن قيمتها الحالية هي أقل بعشرين إلى أربعين في المئة من قيمتها الحقيقية. وهذا ما حدا بالكونجرس الأمريكي للموافقة في 27 سبتمبر من هذا العام على قرار حظر التعامل التجاري مع الصين إن لم تقم بتعديل قيمة عملتها وتكف عن التلاعب فيها. ويقدّر – في الولاياتالمتحدة – ما فقدته القوى العاملة ذات الانتاج الصناعي حوالى مليوني وظيفة على مدى عشر سنوات من جراء انخفاض قيمة اليوان. فمن أجل إبقائه منخفضاً مقابل الدولار، فقد بدأت الصين بإضافة 46 بليون دولار في احتياطها النقدي في عام 2003م وذلك بإضافة 10 بليونات شهرياً. واليوم يقدر صندوق النقد الدولي ارتفاع احتياطيها من الدولارات إلى (450 بليوناً) أي عشرة أمثاله منذ سبع سنوات، وذلك بإضافتها إليه 30 بليوناً في كل شهر. هذا الشراء الضخم للعملة الأمريكية، يرفع سعرها أمام العملة الصينية. وبالنسبة لنا، يزيل الالتباس والحيرة التي تُظهر لنا أن العملة الأضعف هي الأقوى. فنجد العملة الصينية – في حقيقتها – قوية وتعكس اقتصاد الصين القوي الذي يهدد بإزاحة اليابان عن المركز الثاني اقتصادياً في العالم. وما تقوم به الصين ليس حكراً عليها، فقد استمرت اليابان في انتهاجه سنوات عديدة لحماية الين من الارتفاع أمام الدولار. فعلى سبيل المثال، أنفقت في عام 2004م وعلى مدى خمسة عشر شهراً أكثر من 35 تريليون ين لإبقاء سعر صرف الين منخفضاً. ولقد اكتوت الدول المنتجة للنفط من جراء ارتباط عملتها بالدولار، فتدنى لذلك سعر البرميل إلى حوالى نصف أو ثلث سعره في الثمانينيات نظراً لانخفاض سعر الدولار أمام اليورو والين. إن هناك حروباً تفتك بالشعوب تجارياً ومالياً ووظيفياً وصناعياً وتشتت الأسر وتدمر المدن والدول والاقتصاد؛ ولكننا لا نراها ولا نسمع ضجيجها، لأنها لا تستعمل سلاح القتال المتعارف عليه ولا الجيوش.