في الماضي كانت الأخلاق العامة والخاصة أول ما تهتم به الأسرة سواء اختلفنا اليوم حول أساليب زمان أم اتفقنا، فالنتيجة تقول إن الأسرة في السابق كانت الحاضنة الأولى للأخلاق والمجتمع حارسًا على الفضائل لا يغمض عينه عنها، فالألفاظ الجارحة أو البذيئة مرفوضة والسلوكيات السيئة المشينة تواجه بالعقاب والتقليد الغريب الشاذ مستهجن ومنبوذ، ناهيك عن أخلاق التعامل بالتي هي أحسن وبما حث عليه الإسلام ويحرص عليه المجتمع في عاداته آنذاك من كراهية الغش والخداع والفساد والكذب، وبالتوازي مع ذلك كان التعليم يؤصل للأخلاق الجميلة بالعلوم الشرعية والمرجعية الإسلامية، وكان أولياء الأمور والتربويون أحرص على القدوة الحسنة وبصرامة. اليوم كل هذا شابه شوائب كثيرة وأصيبت أخلاق المجتمع بأدران مختلفة تنخر في نسيجه وروابطه، وحتى تجاه مكتسبات الوطن ومعاني الوطنية من أخلاق الحوار وتجاهل البعض للحفاظ على القواسم المشتركة على طريقة «من ليس معي فهو ضدي» وترويج الشائعات دون تثبت، والنقد السلبي الهادم غير البناء ولا الهادف، وكل هذا مرجعه وهن الأخلاق ووهن جذورها في الحياة المعاصرة وضياع الطريق أمام المجتمع بل كل مؤسسات المجتمع لإعادة مسار التربية. أقول هذا الكلام قبل أن أتحدث عن أهمية (كرسي الأمير نايف للقيم الأخلاقية) فلطالما عانينا ونعاني تراجع القيم الفردية وما ارتبط بذلك من الجنوح عن جادة الصواب من الأخلاق أو انحراف الفكر، وما تتعرض له الأسرة اليوم من مشكلات تقوض استقرارها فزادت نسب الطلاق بدرجة مفزعة، وسلوكيات سلبية لا يلقي لها المجتمع بالًا بعد أن كان قائمًا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحارة والشارع والحي، واليوم رغم وجود الهيئة فإننا نشهد كل هذا التغير الأخلاقي بل إن دور الهيئة نفسه أصبح وللأسف لا يتحمس ولا يتجاوب معه البعض، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يحتاج إلى تشخيص وتمحيص وعلاج. ولهذا فإن كرسي الأمير نايف للقيم الأخلاقية بجامعة الملك عبدالعزيز يمثل نقطة انطلاق مهمة وحقيقية، لأنه سيمنحنا بوصلة وتحليلًا علميًا لعلل المجتمع التي جعلتنا نشكو التغير ويشدنا الحنين إلى الماضي حيث كانت المسؤولية الأخلاقية جماعية وتغذي الحياة بأخلاق البيت والحارة وتعاليم الدين الحنيف، وما يحث عليه من فضائل تتعرض اليوم لتأثيرات العولمة الثقافية والانفتاح الذي جعل العالم بقيمه ورذائله على السواء في جهاز صغير، وهذا يتطلب إحياء الأخلاق وليس فقط إلقاء الدروس والمحاضرات فما أكثرها دون جدوى. بدون شك إن القضية كبيرة ومتشابكة، وضمن تشابكاتها عملية التأثير والتأثر المتبادل مع الثقافات المفتوحة علينا أو المنفتحين عليها وحدود هذا التأثير الذي يجتاح مجتمعنا ويبدل القيم تبديلًا واضحًا، وهذا يأخذنا إلى نقطة مهمة وهي أن الحضارات الأخرى خاصة الغربية لديهم أعمال وأخلاقيات إيجابية بالنسبة لهم لكنها سلبية في نظرنا. في المقابل هم يتأثرون أيضًا بانجذاب بعضهم إلى حضارتنا الإسلامية والدليل دخول الآلاف في الإسلام سنويًا اقتناعًا بعظمة الدين الإسلامي من خلال نماذج عايشوها أو زيجات أو قراءات جادة حولتهم إلى الإسلام، ولذلك من الأهمية بمكان إحياء الأخلاق الإسلامية والحفاظ عليها بكل قيم الاعتدال والوسطية وفضائل الصدق والحوار والأخلاق الحسنة والعادات الصحيحة التي لا تتعارض مع الدين في شيء في أمور الزواج وحقوق المرأة بشكل خاص مثل عضل البنات وغلاء المهور وغير ذلك مما ينظر إليه الغرب على أنه من الإسلام والدين منه براء. أعود للقيم الأخلاقية وأختم بالتأكيد على أن كرسي الأمير نايف للقيم الأخلاقية سيسهم في إيجاد القنوات العلمية البحثية للقيم وكيف نستطيع تحقيق ذلك والوعي بحدود التأثير والتأثر مع الآخر والوعي الفردي والجماعي في مكافحة سوء الأخلاق والفساد والفوضى التي ندفع ثمنها غاليًا في الحياة وفي الشارع مروريًا، وأتوقع أن جامعة المؤسس ستنظم ندوة مهمة عن الكرسي في أقل من عام مثلما اعتدنا من اهتمام تبذله الإدارة العليا للجامعة بتفعيل أهداف الكراسي العلمية لخدمة المجتمع وما يعود عليه بالنفع في كافة المجالات خاصة ما يتعلق بالأخلاق، مثلما رأينا هذا الاهتمام الرفيع تجاه كرسي الأمير خالد الفيصل عن الاعتدال. نسأل الله التوفيق لهذه الجهود والقائمين عليها.