خلال الاحتفال باليوم الوطني الثمانين قبل أسبوعين، طرح المدون «عمر بن عبدالله آل سليم» في منتدي الشبكة السعودية الحرة مشاركة عن سبب تسمية المملكة العربية السعودية، وكان ملخص الحوار هل (التسمية) صادرة من الملك عبدالعزيز آل سعود أم من مجلس الشوري أم هي مشاركة وطنية من العلماء والأعيان والمواطنين. وقبل الخوض في صلب الموضوع، هناك فترة تاريخية هامة يجب أن تذكر في ثنايا المقال وهي فترة قبل إعلان تأسيس المملكة العربية السعودية عام 1932م، حيث مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها قد شهدت ثلاث فتن، وهي فتنة (الإخوان) في نجد، والفتنة المدعومة من المعارضة الحجازية (حزب أحرار الحجاز) وهي: فتنة حامد بن رفادة في الشمال الغربي وفتنة الإدريسي في جازان، ولكن استطاع الملك عبدالعزيز آل سعود من استئناس كبار قادة المعارضة بالحكمة والقوة معًا، ثم أصدر بعدها عفوًا عامًا لكل من رغب بالعودة والمساهمة في بناء الدولة الحديثة والعمل علي محاربة دعاوى الفروق والتمايز بين مملكتي الحجاز ونجد وملحقاتها، وبناء على ذلك انتهت الفتن الثلاث، وتقرر سلمًا حل حزب الأحرار من داخل أعضائها ورجع رئيسه طاهر دباغ للسلام على الملك عبدالعزيز وإعلان الولاء والطاعة للحكم السعودي. خلال هذه الفترة وعلى الرغم مما شابها من شدة لم يأخذ الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود موقفًا معاديًا من أفراد أو جماعات بل أوكل كثيرًا من مهام إدارة الحكومة إلى نخبة من أبناء الحجاز ونجد وغيرهم ممن فضل العمل معه من أهل الفكر والسياسة ممن دانوا له بالولاء من أهل الشام ومصر والعراق وحضرموت وغيرها. وهذا المقال يعتبر مواصلةً لمقالي السابق (ردًا على «الايكونوميست».. نظام هيئة البيعة واضح) يوم الأربعاء الماضي 29 سبتمبر 2010م، لأقول: إن التاريخ يجدد معانيه بتسجيل عدد من الوقائع التي تثبت أن الحكم السعودي مرن مع متطلبات المجتمع ويعمل علي تحقيقها بأفضل السبل والطرق. ففي 12جمادى الأولى 1351ه 10 أغسطس 1932م، اجتمع عدد من أبناء هذا الوطن ورأوا ضرورة تغيير مسمى الدولة من مملكة نجد والحجاز وملحقاتها، إلى مسمى يظهر وحدة هذا الكيان، وتقرر أن يكون الطائف مقر لاجتماع العلماء والأعيان وممثلي رعايا مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، ثم بعد ذلك تقرر عقد الاجتماع في منزل الشيخ عبدالله الفضل بالطائف والتي تبعها عدة اجتماعات أخرى بمنزله حضرها كلا من: «محمد شرف عدنان، صالح شطا، عبدالله الشيبي، فؤاد حمزة، محمد شرف رضا، مهدي القلعلي، عبدالوهاب نائب الحرم، إبراهيم الفضل، محمد عبدالقادر مغربي، رشيد الناصر، أحمد باناجه، عبدالله الفضل، خالد أبو الوليد القرفني، حامد رويحي، حسين باسلامة، محمد صالح نصيف، عبدالوهاب عطار». وبعد الاتفاق على المسمى الجديد للدولة وهو «المملكة العربية السعودية» أبرقوا لإخوانهم في المناطق الأخرى لرفع هذا (الاقتراح) للملك عبدالعزيز آل سعود لطلب الموافقة على هذا المسمى، فكان لهم ما أرادوا حيث صدرت الموافقة على التسمية وأعلن ذلك اليوم كيوم وطني للسعودية. وكما جرت العادة فإن مراحل تأسيس الدول عادة ما يشوبها حدة في القرارات حتى تتجاوز مرحلتها الانتقالية إلا أن ملوك السعودية وعلى رأسهم المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- سعى على إشراك أفراد المجتمع ضمن عملية بناء المملكة العربية السعودية وإشراك المجتمع المدني في العملية السياسية، فقصة تحويل اسم مملكة الحجاز ونجد وملحقاتهم إلى المملكة العربية السعودية كما نُشر في الصحيفة الرسمية أم القرى في عددها (406) يوم الجمعة 22 جماد الأول 1351 الموافق 23 سبتمبر 1932م تمثل أحد الأمثلة على إشراك المجتمع المدني في قرارات الدولة، وقد تضمن جملة المشاركة في نص الأمر الملكي المنشور بجريدة أم القرى (أنه نزولًا على رغبة الرأي العام في بلادنا وحبًا في توحيد أجزاء هذه المملكة العربية السعودية، فقد تم الموافقة على هذا الاقتراح). ختامًا، يجدد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- صور مشرقة للمشاركة المدنية في استكمال تطور المملكة العربية السعودية لتحقيق غاية المواطنين من خلال اقتراحاتهم التي ترفع من المجالس البلدية والمحلية ومجالس المناطق ومجلس الشورى إلى جهات الاختصاص التنفيذية، ولعل هذه المشاركات تميزت بأنها كانت مرافقة مع حرية الإعلام في طرح الجوانب السلبية ومناقشتها بشكل إيجابي خاصة فيما يتعلق بحق المال العام والفساد وتحفيز أفراد الحكومة للعمل بشفافية مطلقة مع متطلبات المجتمع المدني.