يُقال إن إحدى الصحف البريطانية طرحت على قرّائها سؤالاً يقول: (ما المال؟)، فتلقّت عددًا من الإجابات، كان أجملها: (المال جواز سفر عالمي، يمكن لحامله السفر إلى أي مكان عدا السماء، وهو يجلب أي شيء عدا السعادة). وهذه الإجابة وأمثالها كلام نردده كثيرًا، ولكننا قليلاً ما نؤمن به من أعماق قلوبنا. ربما كانت تلك طبيعة بشرية، فالإنسان يحب المال حبًّا جمًّا. وما لم تُهذب هذه النفس، وتكتسب من الصفات الحميدة ما يمنعها؟ وما لم تُواجه بسلسلة من القيود والعقوبات التي تردعها، فهي لن تستجيب بسهولة لهذه التي يعدها الكثير منا مثاليات لا موقع لها في عالم الواقع. وشواهد الحال في ديار بني يعرب تقول إن أحدنا إذا غابت عنه معاني الكسب الحلال، ومقاصد الإجمال في الطلب، ومخاوف الوقوع في الشبهات، فإنه سيبدأ عمليات اللطش يمنة ويسرة، خاصة إذا كان يملك من الجاه والسلطة ما يحول بينه وبين المساءلة، فضلا عن المحاسبة أو المعاقبة. هنا تموت كل أنواع الضمائر، فلا يبقى إلاّ صورة الإنسان الذي يتحرّك في الظاهر، بينما هو ميت من الداخل، يأخذ بكل شراهة، ويبتلع بلا تمييز. ومع ذلك لا تراه سعيدًا ولا بهذا المال هنيئًا. هو في حقيقته منبوذ من الأعماق، مكروه من الجميع، لا حظّ له بين عامة الناس، وحتى خاصتهم إلاّ قليلاً. وفي المقابل ترى مستوري الحال في أحسن هيئة، وأكمل خلق، وأجمل حال، عليهم سيماء الخير، وعلامات الرضا، ومؤشرات السكينة. هؤلاء هم الذين اشتروا السعادة بدريهمات الحلال، وملاليم القناعة، فأمسكوا عن الحرام، وامتنعوا عن السحت، فوسعتهم الدنيا على ضيقها، وفرحت بهم السماء على بُعدها. لقد أدركوا أن مفاتيح السعادة لا تجلبها كنوز الدنيا، وأن المال مهما كثر لا يريح الضمير، ولا يسعد الحال، ولا يجلب الاحترام، ولا يحقق الذات. المال زينة طبيعية ظاهرة لمن أخذه بحقه، واستحصل عليه بجهده وكدّه، وهو كالمكياج للعجوز الشمطاء تتزين به، تحسب أن العقول بها مفتونة، والأنظار إليها مشدودة، بينما هي منبوذة محقورة، لمن انتزعه بغير حق، ونهبه بغير وازع.