والمقصود هنا أمانة العاصمة المقدسة - مكةالمكرمة - وهي تكاد أن تكون المعقل المكي الأخير الباقي في مكةالمكرمة، بعدما رحلت معظم الإدارات العامة لمنطقة مكة إلى جدة، في موجات من الهجرة المتتابعة منذ عدة عقود، حتى أنني أذكر أن إدارة الاتصالات السعودية في منطقة مكة التي انتقلت إلى جدة، نقلت إحدى إداراتها إلى الطائف، فكتب حينها الوالد يرحمه الله - غاضباً من أجل مكة - حول الإجراءات المتواصلة التي تؤدي إلى تحويل مكة من أمٍ للقرى إلى تابعةٍ لها. وللأسف لم يستجب أحد لهذه الصرخة، واستمرت هجرة الإدارات من (العاصمة) المقدسة، التي كانت مقراً لنائب الملك وللوزارات، إلى أن أصبحت بالفعل مدينة تابعة للمدن الأخرى، تُدار بأسلوب (الريموت كونترول)، هذا برغم أنها - وبصرف النظر عن الجانب الروحي والقداسة - تُعد أهم مدن المملكة على الإطلاق، باعتبار استقبالها لملايين الزوار على مدار العام، وتشهد مواسم كبرى يحتشد فيها - أيضاً - الملايين من كل أنحاء العالم. فقد أصبح التخطيط لتطويرها ولمشاريعها الكبرى يتم في المدن الأخرى. والتخطيط لمواسمها - وهو في نظري أهم أعمال الإدارات العامة للمنطقة - يتم خارجها، بل حتى مسابقة تجميلها تُقام في جدة، والاحتفال بالجائزة التي تحمل اسمها يُقام في جدة، وتكريم وزارة الحج لأبناء مكة، وهم المطوفون يتم في جدة. وعندما أقول ( حتى أنت يا أمانة العاصمة !! ) فإنني أعبر عن عتب كبير على الأمانة، بحجم حبنا لمكة - الذي لا يصح أن نلتقي عليه خارجها - إذ لم يكن يُتوقع أن تقيم الأمانة أياً من فعالياتها خارج مكة وتحت أية ذريعة كانت، لأن أمانة العاصمة هي أكثر الجهات المعنية بإحداث تنمية حقيقية في مكةالمكرمة، وينبغي أن تكون القدوة والقائدة لغيرها، بل عليها أن تعمل على جذب فعاليات المدن الأخرى إليها، وأن تعمل على تسريع عجلة التنمية والتطوير، من خلال جذب المزيد من فرص العمل والكفاءات والاستثمارات وحتى الفعاليات، واستثمار صدور الأمر السامي بإلزام الجهات التابعة للمنطقة بالانتقال إلى مكةالمكرمة، الذي سعى لاستصداره أمير المنطقة الأمير خالد الفيصل، وتسهيل توفير مواقع لمقار تلك الجهات، فلقد عانت مكةالمكرمة من الهجرة الاضطرارية للكثير من أهلها بسبب تراجع معدلات التنمية، وانكماش فرص العمل والترقية، وبالتالي تراجع أداء العديد من مؤسساتها الحكومية والأهلية. ولقد كنا - ولا زلنا - نأخذ على بعض الجهات التي مقرها مكة إقامة مناسباتها في جدة، ونطالبهم بإقامتها في مكةالمكرمة لأن معظم المعنيين والمدعوين من أهل مكة. ولا أذكر أنه سبق لأمانة العاصمة أن أقامت أياً من فعالياتها أو مناسباتها في جدة، وأعتقد أن إقامة حفليْ مسابقة تجميل مكةالمكرمة في جدة تُعد سابقة لا تُسجل للأمانة وإنما عليها. ولا أعرف سبباً لأن تقوم أمانة العاصمة بإقامة هاتين المناسبتين في جدة، فهي مسابقة إسلامية، والفنانون المشاركون فيها مسلمون برغم أن بعضهم من دول غير إسلامية مثل الصين والهند وإيطاليا وأمريكا، ولكني لا أشك للحظة واحدة في أن يكون من بينهم من هو غير مسلم، لأنه لا يجوز أن يتم تجميل مكة بعمل فني يُنسب لغير مسلم تحت أي مبرر كان، ولأن في إبداعات الفن الإسلامي والفنانين المسلمين ما يكفي. ولذلك يحق لنا أن نقول لأمانة العاصمة معاتبين (حتى أنت يا أمانة العاصمة ؟!!). هذا من جهة ومن جهة أخرى فلا زلت لا أفهم أن يتم تخطيط وتجميل مدينة بأهمية وعظمة مكةالمكرمة عن بُعْد، ومن مدن أخرى سواء جدة أو الرياض أو غيرهما، ولم أسمع أن هذا يحدث في أي مدينة من مدن العالم، فأي تخطيط وأي تجميل هذا الذي يتم بعيداً عن المكان، وإنسان المكان، والبيئة التي هي موضوع التخطيط والتجميل ؟؟ ولعل في أسماء الذين فازوا بالجائزة ما يؤكد أثر الالتصاق بالمكان وإنسانه!! إن الأمير خالد الفيصل يريد - وكلنا معه - أن تكون مكةالمكرمة أجمل مدن العالم، وأنا أقول لن يتحقق ذلك إلاّ إذا كنا أكثر التصاقاً بمكةالمكرمة وشعابها وبإنسانها.. ورزقي على الله. فاكس: 5422611-02 [email protected]