في أمسية نادي جدة الأدبي (المستشرقون والشعر العربي) أمس الأول والتي كانت مغايرة عن ما كان قبلها من حيث التنظيم والحضور الذي اكتظت به خيمة عكاظ، ليس من المثقفين فحسب بل من جمهور الجادة، وكأن الدكتور عبدالمحسن القحطاني رئيس النادي وهو يقف على باب الخيمة قد لوح لهم بأن يحضروا لينصتوا لكل من الدكتور مرزوق بن تنباك والدكتور باهر محمد الجوهرى وليستمعوا لمدير الأمسية الدكتور عبدالرحمن الوهابي وهو يسرد سيرة الضيوف ويشاركهم الحوار. البداية كانت مع الدكتور باهر الجوهرى الذي سلط ورقته على المستشرق النمساوي يوسف فون همر بورجشتال وقال عنه أنه هو من أجاد نقل الشعر والثقافة العربية إلى أوروبا والعالم وكان واحداً من الذين سعوا بأعمالهم ومؤلفاتهم إلى التقريب بين كلا العالمين الشرقي والغربي وسعى لجلب الشرق إلى قلب الغرب عن طريق التأليف والترجمة ويُعتبر من المستشرقين القلائل في عصره وأعماله مهدت الطريق لأمير شعراء الألماني يوهان فولفجانج كي يقوم برحلة فكرية إلى الشرق كما أن همر من المستشرقين القلائل الذين سعوا بعد تقدمهم في العلم والبحث إلى تقديم صورة صحيحة وواقعية للشرق الإسلامي ونبي الإسلام. أما الدكتور مرزوق بن تنباك فتناول في ورقته “الاستشراق بدايته” وذكر أنه في أول القرن السادس عشر تحول النظر في أوروبا إلى زاوية أوسع واتصال مباشر في ثقافة الشرق وبدأت أول الدراسات المتخصصة في اللغة العربية وما صلة الشرق بالغرب إلا صلة لم تنقطع منذ فجر الإسلام وهي جاءت قبل الاستشراق بمئات السنين واتصال الحضارات العربية والأوروبية شكّلت صورا من الصلات الثقافية والحضاربة لتعطي بُعداً آخر يتسامق أكثر مع معطيات الحياة. وعرج بن تنباك إلى تعريف الاستشراق وقال عنه هو في صورة الحاضر يعنى بها طائفة من الغربيين الذين كان لهم اهتمام في شؤون العالم القديم أي الحضارة الهندية والفارسية والعربية الإسلامية وامتدادها التاريخي والجغرافي وقد اتجه الاستشراق إلى الاهتمام في تاريخ هذه المنطقة وهذه الحضارات في كل أبعاده السياسية والجغرافية والتاريخية واللغوية والدينية ولو تناولنا مهمات المستشرقين واختصاصهم لوجدناها تتمثل في تلك الرحلات الاستكشافية لتطبيق المعلومات النظرية التي قرأوها عن العالم القديم ومن أوائل الرحلات رحلة المستشرق (كرستين هافن) من الدانمرك عام 1760م وتعرف هذه البعثة ببعثة نيبور لأن أفرادها هُلكوا جميعاً ولم يعد منهم غير نيبور، وأضاف: للاستشراق دور ثقافي ظهر في نشاط المستشرقين مؤسسا ثقافيا يعتمد على ثلاثة أسس هي: دراسة الجغرافيا السكانية و المكانية ودراسة اللغات بكل مستوياتها وثقافاتها وآدابها ودراسة التاريخ القديم للمنطقة وتكويناتها السياسية وعاداتها وتقاليدها.