**تحدثت في مقالة سابقة عن بدايات تأسيس نادي الطلاب السعوديين وأشرت إلى جهود زملاء كرام كان لهم دور مؤثر في مرحلة التأسيس، وهم الدكاترة مرزوق بن تنباك، وعبدالرزاق سلطان، وعبدالرحمن المطرودي الذي رحل دون أن يتذكره رفاق الدرب، وكانت استجابة الأخ الاكبر والأجل الدكتور مرزوق لما سطرته على صفحات هذا الملحق تعبر عن تلك النزعة الإنسانية التي تسكن نفس هذا الرائد، كما هاتفني الزميل الاستاذ الدكتور عبدالله الميعطاني والذي كان له دور مؤثر في مسيرة مجلة “الطالب” التي تدخل عامها الثلاثين ولعل القائمين عليها بإشراف الملحقية الثقافية في بريطانيا يعدون ملفاً عن تلك البدايات وما صاحبها من ظروف صعبة كان لا بد أن يمر بها عمل اجتماعي وفكري - كهذا - فلقد كانت فكرة إنشاء الأندية الطلابية - آنذاك - مثل فكرة إنشاء الاندية الادبية التي اصبحت -واقعاً - في عام 1395ه بجهود الجيل الأول من الرواد من أمثال:محمد حسن عواد، واحمد السباعي، وعزيز ضياء وابراهيم فودة وعبدالله بن خميس ومحمد العقيلي وعبدالله بن ادريس وعلي العبادي وعبدالعزيز الربيع ومحمد علي السنوسي وعبدالرحيم أبوبكر وحمد الزيد وحسن عبدالله القرشي وأبو عبدالرحمن بن عقيل ومحمد هاشم رشيد وعبدالفتاح أبو مدين وسواهم، وآزرهم في تحقيق تلك الفكرة السامية سمو الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله - ولعلي أشير هنا إلى أنه كان لمعالي المرحوم ناصر المنقور - السفير السعودي - آنذاك في بريطانيا والشيخ عبدالعزيز بن منصور التركي الملحق الثقافي ورديفه الاستاذ عبدالعزيز بن راشد التركي، كان لهؤلاء وسواهم دور في انبثاق فكرة نادي الطلاب السعوديين في بريطانيا، وكانت بريطانيا آنذاك - تتصارع فيها تيارات فكرية متعددة لعل من أبرزها جماعة “بنيات” نسبة إلى المنظر العمالي الاشتراكي توني بين:Tony - Benn وانقسمت الحركة اليسارية في بريطانيا إلى شطرين أحدهما يقوده:مايكل فووت:Foot والذي كان خطيباً مفوهاً وكان في بداية حياته صحفياً متميزاً ورئيس تحرير مجلتي؟ إيفنغ ستاندرد Eeving Standard ثم صحيفة “تريبيون” Tribune، وكان “فووت” مصنفاً على انه يساري معتدل، وتعترف مارجريت تاتشر في مذكراتها The Downing Street Year انه الاكثر ثقافة بين مجايليه في البرلمان، وكان في لباسه ومسكنه يمثل تلك المبادئ التي يؤمن بها، وشتان بين هذا النفر القليل من الرموز الغربية وبين رموز ما يسمى باليسار العربي الذين يعيشون حياة فارهة ثم يتحدثون عن مفاهيم العدالة الاجتماعية، اما الشطر الثاني فكان يقوده توني بين وكان يعرف باليسار المتشدد وكان هذا الاخير الاكثر انتصاراً للقضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ولا يزال “بين” وهو قد تجاوز الثمانين من العمر يخرج في مظاهرات مؤازرة للقضية الفلسطينية وهو مثل “فووت” خطيب مفوه. ** في بداية الثمانينيات شغل الرأي العام البريطاني بقضية السياسي والاديب والشاعر بوبي ساندزBobb Sands 1954 -1981م والذي كان ينتمي للحركة الايرلندية الكاثوليكية الرافضة -آنذاك - للوجود البريطاني في مقاطعة ايرلندا وصدر أمر قضائي بسجن “بوبي ساندز” وصنفته المؤسسة البريطانية الرسمية “بأنه ارهابي”، في 1 مارس 1981م، قاد “ساندز” حملة من داخل السجن في بيلفاست بالدعوة إلى رفض الطعام،وبعد “66” يوماً رحل “ساندز” عن عمر يناهز السبعة والعشرين عاماً، واضحى غير ما يتمنى اليمين المحافظ، رمزاً لمقاومة الظلم والطغيان، وأضحت اثاره الادبية التي نشرها من داخل السجن مثل:One Day In My Life “يوم في حياتي” أو الاخرى المعبرة عن مأساته والتي يخاطب فيها أحد طيور السماء بأن تغني أغنيتها المجسدة للعزلة أو التوحد:Sky, Lark, Sing Your Lonely Song أضحت تلك الآثار يرددها عاشقو الحرية والعدالة في كل مكان. ** واستطاع انصار المبدع الايرلندي “ساندز” انتخابه عضوا وهو في السجن ونائباً في البرلمان مع انه لم يدخل ذلك المجلس ولكنها كانت خطوة ترمز للمقاومة السلمية الفاعلة. ** كان مثيراً للانتباه ان قنوات التلفزيون البريطاني تتابع أخبار “ساندز”” دون ان تتدخل المؤسسة الحاكمة في منع انصار “ساندز” من التعبير عن وجهة نظرهم، وبعبارة أدق لن تمكنهم تقاليد حرية الكلمة المتأصلة في ذلك المجتمع من الاقدام على ذلك، ولعلي اليوم وانا أكتب هذا المزيج من الذكريات - من ذاكرة الأمس والتي اوهنتها تقلبات الدهر، اطرح سؤالاً هاماً، وهو هل كان الطالب العربي معني بتفاصيل الحياة الفكرية والاجتماعية التي تنعكس في وسائل الاعلام من صحف ومجلات واذاعة وتلفزيون، ومؤتمرات سنوية للاحزاب السياسية، أم انه بطبيعته كان منطويا على ذاته مكتفياً بالذهاب الى مكتبة الجامعة ثم العودة مساء إلى منزله، ام ذلك الطالب الآخر الذي كان كل همه ان ينتسب إلى اتحاد الطلاب العرب الذي كان يسيطر عليه البعثيون- آنذاك - أم الاتحاد العالمي للطلاب المسلمين ولعل البعض من هؤلاء وأولئك كان ينظر إلى كاتب هذه السطور نظرة استغراب فيها شيء من الشك والفضول، ولكن في كل الاحوال كان انشاء ناد للطلاب السعوديين خيارا ينعتق من خلاله الطلاب من عبء الانغماس في قضايا الادلجة أكانت يميناً أم يساراً لقد كان الامس جميلا بكل متاعبه. ورحم الله الزميل المطرودي رحمة الابرار.