دخلت الأسرة العربية تحديًا شرسًا في رمضان، حيث راهنت على مراجعة القائمين على الإنتاج التلفزيوني (الدرامي) بعد سلسلة الإخفاقات المتوالية والتذمر الذي أعلنه المشاهدون إزاء الاستخفاف بعقلية المتلقي. يصعب على الإنسان العاقل أن يفهم هذا السيل من التدفق المسلسلاتي الرمضاني الذي تقذف به مؤسسات الإنتاج ليبتلع ساعات البث الفضائي ويبتلع معه ما تبقى لنا من أخلاقيات وقيم. فالإنتاج الفني كما هو مطلوب، صناعة ترتقي بذائقة المتلقي وترفع مستوى وعي الإنسان بواقعه وتسهم في التعامل مع مستقبله، مع توظيف الأدوات الفنية القائمة على النص المنطلق من البيئة ويعالج الظواهر وينتقل بالمشاهد أو المستمع نحو آفاق الحل. لكن، كلما تفائلنا بدراما أفضل نجد أن أصحاب الوسط الفني يخيبون آمالنا، ويأبون إلا الاستخفاف بعقولنا، وتقديم أعمال (مشي حالك) باعتبار أن (أجر الهبل على المجانين)! واليوم ونحن نودع الشهر الفضيل، نشهد انحدارًا وهبوطًا في معظم المسلسلات الخليجية، من حيث الطرح السطحي، والمعالجة الركيكة، والتكرار الممل لنفس المشاكل والظواهر والتمطيط السمج، الأمر الذي أسهم في انتشار الضجر ورد الفعل العكسي لدى شرائح واسعة من المتلقين، وهو ما نسمعه ونشهده في الصحافة والمجالس والمنتديات. كم نحن بحاجة أن يبدأ جيل جديد من العاملين في هذا الوسط إلى مراجعة الذات، بل ونتمنى أن يبادر ثلة منهم إن لم يكن من المنطلق الوطني، فمن المنطلق التجاري، للانطلاق بأعمال أكثر رصانة وحرفية، وأكثر عمقا في المعالجة والعرض. فإنهم بلا شك سينافسون بقوة ويستحوذون على معدلات مشاهدة عالية، في ظل غثاء مسلسلات الخيانة واللعب على أوتار الحب. وهي فرصة لدخول بعض القنوات الجادة لهذا الميدان. خاصة وأن القصص أصبحت مستهلكة، والجمهور يبحث عن أنماط جديدة تتناول قضاياه الحقيقية، وتتلمس همومه ومعاناته اليومية. وهي مساحات شاغرة بحاجة إلى ذهنية غير نمطية وعقلية بعيدة عن القوالب "المصبوبة" التي تعيد إنتاج نفسها كل عام. خاصة وأن الدراسات تؤكد أن الأعمال الدرامية (المسلسلات) هي الأكثر مشاهدة في رمضان المبارك بنسبة (62%) من عينة المشاهدين الذين شملتهم الدراسة. وللنهوض بهذا الواقع على المثقفين أن يتآزروا مع الطاقات الشابة الواعدة التي تتمتع بخيال الفنان، ومهارة المحترف، ولم تتلوث بعد في تلك الحلقة الجهنمية التي تحرق الطاقات وتدجنها في إطار واحد وبأسلوب واحد استهلاكي تسطيحي بحيث لا يمكن أن تخرج على النص. وهي فرصة لهذه الطليعة (الغير نمطية) تقديم أعمال جديدة تؤثر في وجدان المشاهد، وتتفاعل مع الواقع وتقدم لنا معالجة إبداعية. وبالتالي يستحوذون على نسبة كبيرة من (كيكة) المشاهدين. التي تقف مشدوهة أمام التدهور المتردي الذي وصلت إليه أعمالنا الفنية. وكل عام وأنتم بخير. [email protected]