وجدته جلداً صبوراً محتسباً لله واثقاً بعدله وكرمه راضياً لحكمه بثبات وقناعة نادرين حين غيب الموت صديق عمره ورفيق دربه ودراسته أحد أعز الناس إلى قلبه (في الخامس من رمضان الكريم المنصرم) فقيد الوطن الدكتور غازي القصيبي رحمه الله وأدخله فسيح جناته وكم أذهلني أن هذا الرجل صاحب المشاعر الجياشة والإحساس المرهف الكاتب الأديب المبدع والرجل صاحب الوفاء الجم أخي معالي الأستاذ عبدالرحمن السدحان على هذه الدرجة من الصلابة وقوة التحمل والجلد حين وجدته طوداً شامخاً من الإيمان في احتساب الله والاتكال عليه والتسليم لأمره. في الصباح من الخامس من رمضان المنصرم هاتفني حفظه الله وكان صوته هادئاً صافياً وكأنما وضع حاجزاً بينه وبين مشاعره لأسمعه قائلاً عظم الله أجرك في الحبيب غازي فإنه انتقل إلى رحمة الله.. ثم سكت برهة ثم عاد وأكمل لا حول ولا قوة إلا بالله إنا لله وإنا إليه راجعون. وقتها شعرت من جديد بعظمة هذا الصديق الوفي وكريم خلقه وحدة نبله وقوة ثباته في الظروف الصعبة وأدركت السبب الذي ربط الفقيد غازي رحمه الله به طيلة هذا العمر الطويل وكيف أنه كان له الأخ الصادق الصدوق المحب العطوف لعمري أن من لم يدرك عمق المحبة بين هذين الرجلين فإنه لم يعرفهما ولم يعرف عمق العلاقة بينهما وأصالتها. بالأمس تكرر ما حدث قبل شهر تقريباً وعاود الاتصال بي أخي الحبيب معالي الأستاذ عبدالرحمن السدحان حفظه الله يكلمني بذات الصوت الهادئ الصافي المتماسك قائلاً عظم الله أجرك في الفقيدة أختي فإنها توفاها الله في ألمانيا اليوم.. إني أحمد الله أنها ماتت وهي قريرة العين مؤمنة بالله راضية بحكمه وقضائه.. وأنها عانت ما عانت من المرض وقد رحمها الله إن شاء الله.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. أحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه. بهذه الكلمات تجدد المشهد وحالة الفراق التي كتبت علينا قبل شهر وعظم الإحساس عندي بعظم قدرة هذا الرجل على الإيمان بالله واحتساب الأجر والتسليم بما يحكم. عظم الله أجرك يا أخي وصديقي عبدالرحمن السدحان وإني على يقين بكرمه جلت قدرته أن يزيد في أجرك وأن يقوي ثباتك إيماناً به واحتساباً له فإنه سبحانه وتعالى يعطي ويأخذ وإنها الحياة الدنيا بلاشك دار مؤقتة لا يلبث أن يصلها المرء إلا ويؤذن له بالرحيل إلى دار البقاء والمقام الدائم والأخير وإني لا أملك إلا أن أدعو الله أن يتغمد الفقيدة بواسع رحمته ويجعلها مع المتقين المقربين. وأما أنت أيها الصديق الصدوق الوفي لكل من عرفك وقرب منك فإني أطلب الله أن ينعم عليك بما شاء من واسع فضله وعظيم أجره وأن يديم عليك نعمة الإيمان واليقين به ويثبتك على ذلك وأن يعظم الأجر لزوج الفقيدة وأبنائها وابنتها ولنا جميعاً إن شاء الله وأن يغدق علينا نعمة الصبر والسلوان.. واللهم ارحمنا.