لم أكن أرغب أن أنظر إلى نصف الكوب الفارغ من الكوب، والوطن يحتفل بيوم تأسيسه وعيد نهضته وتقدمه، فالأوطان ليست سهولا وجبالا ووديانا.. ليست ترابا نتغنى به ونحن نتمرغ فيه من شدة الألم وأيدينا تضغط على أفواهنا كي لا تصدر صرخة الألم، ونحن نحبس الكلمات في أفواهنا التي يمكن أن تتدفق مندفعة كالماء تغرق الفرح والأعياد ربما لذلك يقولون: (في فمي ماء) مجازا عندما نعجز عن الكلام، أو الصراخ والشكوى من الأوضاع المتردية التي يعانيها المواطن وحده؛ نتيجة تقصير أو إهمال أو استهتار مسؤول أو مسؤولين، في قطاعات الدولة التي أنشئت لخدمة المواطن ورعايته ورفاهيته وصحته، وأنفقت الدولة عليها بلا كلل أو ملل ومن وسع كي يحظى المواطن السعودي بالأفضل، لكن ما يحدث -للأسف- تضييع للأمانة واستهتار بثروة الوطن؛ فالمواطن هو الثروة الحقيقية للأوطان، والاستثمار الحقيقي لوطن عزيز قوي منيع، بمواطن صحيح البدن سليم البنية وهو يتعارض مع القصور والاستهتار والاهمال في التعامل مع ضحايا حوادث الطرق، رغم أن الوطن سجل النسبة الأعلى في وفيات الحوادث على المستويين العربي والعالمي، حيث وصل عدد الوفيات إلى 49 وفاة لكل 100 ألف من السكان على ذمة (واس) كما ذكرت إحصائية للإدارة العامة للمرور في السعودية، أن الوفيات حصاد أكثر من 485 ألف حادث في عام واحد فقط بلغت 6485 شخصا، أي بمعدل 17 ضحية في اليوم، أما المصابون فقد بلغ عددهم أكثر من 36 ألف مصاب! لم أكن أتوقف كثيرا أمام تلك الإحصاءات، ولا تفكرت في الأسباب التي جعلتنا الأعلى في المأساة، وفتحت خنادق الحزن في قلوب الكثيرين، رغم أن خنادق الأحزان حفرت عميقة في قلوبنا، لكني لم أوضع في قلب الحدث لحظة وقوعه، ولم نواجه صعوبة في نقل أجساد شهداء الحادث أو لهفة إنقاذ المصابين، وهم أطفال وشباب في عمر الزهور، كما حدث هذه المرة عندما تلقينا خبر الحادث، الذي ذهب ضحيته أخي وزوجته -كما ورد في مقال “مأساة وأشياء أخرى” لأخي محمد محجوب نائب رئيس تحرير هذه الصحيفة يوم السبت 9 شوال- الحادث لم يترك أبناء أخي يواجهون الحزن على فراق أبويهم دون أن يضيف إليهم أوجاع الكسور والجروح، ولوعة الخوف على أخيهم الأصغر ذي العشر سنوات، وهو بين الموت والحياة، نتيجة إصابة في الرأس والوجه شفاه الله بفضله ومنته بإذن الله! عندما تكون في قلب الحدث لا تنتبه إلى ما يحدث بوعي، لكن بعد سكرة الفاجعة تنتبه إلى كمية الإهمال والاستهتار بحياة وصحة وسلامة وكرامة المصابين والجثامين التي رفض مسؤول الشؤون الصحية بالأحساء، نقلها إلى الدمام، كما رفض المركز الصحي في العريعرة فعل ذلك! أما آلية إنقاذ المصابين، فهي التي ترفع نسبة الوفيات، وتتسبب في مضاعفات كسور المصابين وجروحهم؛ فعلاوة على التأخير في الوصول إلى مكان الحادث، والهرجلة والفوضى، فإن استهتار المستشفى في استقبال المصابين، وإلقاءهم في مبنى الطوارئ وهو يقبع خارج مستشفى الدمام العام، الذي يستقبل الحوادث، وبه مبنيان ضخمان، تبرع بهما رجال الأعمال؛ أحدهما تصفر فيه الريح، وتلهو فيه الأشباح، بينما قسم الطوارئ خارج المبنى، مما يستوجب نقل المصابين بعد إجراء الإسعافات العشوائية إلى غرف المستشفى عبر الشارع على الأسفلت، واجتياز المطبات الصناعية مما يزيد من آلام المصابين ويمثل خطورة على كسورهم! لماذا لا يستنفر الفريق الطبي والمسؤولون عن الطوارئ في حالة تلقي إخطار بالحوادث ليكونوا في استقبال المصابين، بدلا من تركهم في يد ممرضين غير مدربين؟! أطرح هذا السؤال، لمعالي وزير الصحة د. عبدالله الربيعة بعد التجربة التي عشناها في قسم طوارئ مستشفى الدمام العام، ونتيجة لهذا الإهمال والاستهتار فإن أحد المصابين نوم ثلاثة أيام في المستشفى وخرج دون أن يكتشفوا كسرا في القدم وآخر في أصبع القدم! ألا يستحق المواطن رعاية طبية كما يحصل عليها التوائم الملتصقون؟ ألا يستحق المواطن أن تنفق على سلامته الدولة، وأن يكون في استقباله الفريق الطبي والمسؤول، لإنقاذ حياته والحفاظ على سلامته، كي لا نضيف أعدادا أخرى إلى قائمة المعوقين؟ ألا يستحق المواطن أن تخصص وزارة الصحة سيارات تنقل جثمانه، لحفظ كرامة جسده بعد موته؟! المسألة ليست مسألة إنفاق مالي، فقيمة عملية واحدة لفصل التوائم تكلف الملايين تنفقها الدولة بطيب خاطر، إذا كانت وزارة الصحة ليست مسؤولة عن نقل الموتى من إذن المسؤول؟! وقفة: القراء المداخلون الكرام على موقع الجريدة، الذين انتقدوا ما جاء من عبارات حول “القدر” أدعو الله صادقة، ألا يجربوا ناري، ولا يفقدوا عزيزا لهم في لحظة مباغتة! لست مضطرة لأثبت لهم إيماني بالموت كحقيقة ثابتة، وأني منذ تفتق يقيني أقمت له مرصدا على قمة هواجسي، كي أرفع أهبة انتظاري لقدوم سعادته، أو اقتحامه في أي لحظة سواء أكون أنا محطته القادمة، أو أحد أحبتي ممن أنهكه المرض أو الكبر، فهواتفي بجواري في كل لحظة، وأنا في قمة تحفزي لاستقباله، لكنه دائما يراوغ مرصدي، ويسخر من هواجسي ويخطف زهرة يانعة كانت بالنسبة لي أبعد عن الموت كبعد نجمة قطبية عن مجال رؤيتي، فيفزعنى سقوط نجمتي القطبية المتلألئة في سماء حياتي، هذه ببساطة قصة الموت معي فأرجوكم ترفقوا بعظم مصيبتي، وتلمسوا العذر لمحزون فاض حزنه وأغرق مراكب الأمل التي كانت راسية على شطآن حياته، فأصبح في هذه الحياة كقشة مرشوقة في قلب الريح مصيرها بين أصابعه. هل يرضيكم هذا؟! [email protected]