أصبح أكثر ما يخشاه العرب أن يستيقظوا صبيحة هذا اليوم الأربعاء على خبر نجاح مفاوضات الأمس الفلسطينية الإسرائيلية في شرم الشيخ، هكذا وفجأة تبدل شعور العرب من اليقين بعبثية هذه المفاوضات بسبب التعنتات الإسرائيلية المتعاظمة برغم التنازلات الفلسطينية المتعاظمة هي الأخرى، إلى الخوف من نجاحها بسبب الإصرار الأمريكي عليها. وإذا صدقت الأخبار الواردة من واشنطن فهي عاقدة العزم على أخذ الفرصة التي أتاحها لها النظام العربي لحل الخلاف بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية المتنازعتين حول ملكية أراضٍ حسب المفهوم الأمريكي مع إغفال الحق العربي والإسلامي في القضية. ما تسرب من أخبار واشنطن يفيد أن أمريكا بعد اعتبارها أن عدم استقرار المنطقة يهدد أمنها القومي فضلًا عن مصالحها العليا، وأنه يساهم في تشويه صورتها عربيًا وإسلاميًا وعالميًا، ويعرقل مشروعها لإعادة هندسة المنطقة، لذا قررت رصد مبلغ مالي يتراوح بين 40- 50 مليار دولار مقابل ما سيتم سرقته من الأراضي الفلسطينية، ولكي أكون أمينًا في الترجمة، يقول التقرير: إن المبلغ المرصود مساهمة لبناء الدولة الفلسطينية وتعويضًا للفلسطينيين عن أراضيهم المفقودة، هذه تسمية أمريكا معتبرة أن الصفقة شراء للسلام أو تمرير للتسوية، أعداء أمريكا، هداهم الله، سيصمونه بشراء للأرض أو تأجير ينتهي بالتملك، بينما أصدقاؤها سيرونه فرصة تاريخية لتحقيق سلام يمكنهم في غضون عام من الوقوف أمام فلاشات الإعلام وهم يوقعون اتفاقية سلام أو تسوية أو استسلام أو بيع أو تأجير، سموها ما شئتم إن هي إلا أسماء ورثناها من نضال نظامنا العربي لأكثر من نصف قرن ضد الاحتلال الإسرائيلي لتحرير الأقصى الذي هو هدف كل عربي وغاية كل مسلم، أو هكذا كان يقال. سن اليأس السياسي الذي بلغه نظامنا العربي دفعه إلى منح ما لا يملك لمن لا يستحق، يريد أن يعطي لإسرائيل ما عجزت عن تحقيقه بالحرب، كل حروبها السابقة وعلى مدار أكثر من نصف قرن لم تهنأ (إسرائيل) بوقف المقاومة وإن بحجر ضد مشروعها الاستيطاني في المنطقة، لم تهنأ بيوم راحة من صوت يقاوم احتلالها وتطالب اليوم بإخماد حتى الأنين أو الشكوى منه. سن اليأس السياسي معروفة أعراضه، بيد أن غير المعروف تداخله مع المراهقة السياسية، كيف تشابكت الأعراض برغم تباعدها الزمني، سؤال ننتظر إجابته من علماء مراحل النمو الإنساني، عوضه سأسأل عن النضال الشعبي، ودعونا من النضال النظامي ذي الجيوش النظامية رافعي شعار النضال السلمي أو التسووي، هل يمكن لعاقل أن يتصور بيع قضية شعبية، هل يمكن لراشد أن يتخيل موت قضية لها هذا المد القومي وهذا البعد الإسلامي، ألا يعرف حتى الأطفال أن نضال الشعوب لا يقاس بالسنين بل بالعقود والقرون، كم صبرنا في محنة الأقصى السابقة حتى ظهر صلاح الدين، من المسؤول عن عجزنا عن الصبر على محنته الحالية، سن اليأس السياسي أم مراهقته يا ترى؟ تقول التقارير، هل سيشكك أحد في تقارير مجلة تايم الأمريكية، أن (إسرائيل) زاهدة في السلام أو حتى التسوية، لم يعد يكلفها الاحتلال، تعودت عليه وتمكنت من السيطرة الأمنية فلا عملية انتحارية حدثت ولا أية انتفاضة تفجرت منذ أكثر من عامين، الفضل بالطبع لما كان يسمى بكتائب دايتون، وصار يسمى بكتائب السلطة كنية عن التنسيق الأمني ضد كل محتج أو رافض. وبدلًا من استغلال عامل الأمن هذا وحده، ولدى الفلسطينيين عوامل عدة لفرض شروط أفضل لأية تسوية، بدلًا من أن يساوم به وتجميده للتهديد به وهو ما سيقض مضجع (إسرائيل) يسلم لها به، بدلًا من استغلال العزلة الدولية ضد (إسرائيل) نسارع بفك الحصار عنها ونعجز عن فكه عن أهلنا في غزة، بدلًا من استغلال الغضب الشعبي الفلسطيني داخل الضفة ذاتها، بدلًا من استغلال الزخم العربي والإسلامي، على الأقل محاكاة لما تفعله الحكومة الإسرائيلية بدعوى الخشية من سحب الثقة منها، أم ترى أن حكومة السلطة محصنة ضد سحب الثقة ككثير من حكومات المنطقة؟ تقول التقارير، هل سيكذب أحد تقارير صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، إن تكلفة الحرب على العراق تجاوزت الثلاث تريليونات دولار (تقدير الإدارة الأمريكية السابقة خمسون مليارًا وتقدير الإدارة الحالية لا يتجاوز التريليون) يمضي التقرير إلى دحض الاعتقاد السابق بأن الحروب تنعش الاقتصاد الأمريكي، فالصناعات الحربية الأمريكية برغم ضخامة تعاقداتها الخارجية صارت عبئًا على الاقتصاد الأمريكي، ويخلص التقرير إلى أن الحل هو وقف هذه الحروب لإنعاش هذا الاقتصاد المنهار. بدلًا من تدارس الوضع استراتيجيًا في ضوء هذه المستجدات والتمهل في تسليم عصا القيادة إلى أمريكا خشية أن تجرنا إلى الهاوية معها، بدلًا من التريث والنظر في تجربة من سلم قبلنا 99% من أوراقه لأمريكا وهي في عز قوتها ولم يحصل سوى الفتات، بدلًا من كل ذلك نسارع اليوم بتسليمها 100% من أوراقنا وهي في عز انهيارها ولن نحصل، في أحسن الأحوال، سوى الخيبة. الصبر عدا أنه فضيلة هو عين الشجاعة أيضًا، أما سلام الشجعان الذي يلوكونه فهو الرذيلة عينها والمذلة نفسها، وليس المطلوب فعلًا عنتريًا هنا، المطلوب فقط هو رفض المعروض لأنه لا يحقق أدنى المطالب، فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا، وإذا تبجح البعض بمعاناة الفلسطينيين من الوضع الحالي فكل التقارير تقول بقبول الشعب الفلسطيني الاستمرار بالصبر لعشرات السنين، من لا يستطيع الصبر هو الطرف الذي تتسارع خطوات انهياره، هو الطرف الذي يريد استغلال ظرف العجز العربي الحالي لتمرير قراره، ولو أجروا استفتاء نزيهًا لرفض أغلبية الفلسطينيين هذه التنازلات المهينة مع علمهم بضريبة الرفض. [email protected]