بشّر الأستاذ أحمد أبو الغيط وزير خارجية مصر الشعب الفلسطيني، والأمتين العربية والإسلامية، بأن السلطة الفلسطينية ستتلقى في حال إعلان الدولة الفلسطينية مبلغًا يقدر بأربعين إلى 50 بليون دولار؛ لتهيئة أوضاعها، والاستعداد لمهامها، وبناء أجهزتها، وكذلك تعويضًا عن الأراضي التي خسرتها. وربما كان من حسن الحظ أو سوئه، أن يصاحب تصريحات الوزير أبو الغيط، نشر كتاب بعنوان «تكلفة الصراع في الشرق الأوسط»، أعدته مجموعة إستراتيجيك فورسايت الهندية، بدعم من حزب العدالة في تركيا، وإدارة الشؤون الخارجية في سويسرا، والنرويج، ومكتب أمير قطر، وقد صدرت الطبعة العربية في الأسكندرية عن معهد دراسات السلام في القاهرة، والتابع لحركة سوزان مبارك الدولية للمرأة من أجل السلام. تناقش الفصول العشرة للكتاب بالتفصيل، التكلفة الاقتصادية والعسكرية والبيئية والاجتماعية والسياسية للصراع، والتكلفة على الشعب الفلسطيني، وإسرائيل، والتكلفة للمجتمع الدولي، وقد بلغ إجمالي التكلفة 12 تريليون دولار للفترة من عام 1991 حتى عام 2010، أي لمدة 19 عامًا فقط من عمر النكبة التي تجاوز الستين عامًا. * * * وبغض النظر عن أن الأوطان لا تُباع في سوق المساومات، وأن اقتلاع شعب بأكمله من وطنه، وإحلال غرباء مغامرين مستجلبين من كل أنحاء العالم بدلاً منه، لا يمكن أن يقدر بثمن، أو يُباع كالمواد الاستهلاكية، فإن هذه التكلفة التي قدّرها المعهد الهندي جد تافهة، فضلاً عن المبلغ الذي تحدث عنه الوزير أبو الغيط، والذي يعتبر امتهانًا للعقل، وإهانة للشعب الفلسطيني والأمة. لقد أصبح الشرق الأوسط كما يقول التقرير، هو المنطقة الأكثر تسليحًا في العالم بجميع المقاييس، كما أصبح بفضل الغزو الأمريكي الأوروبي للعراق، أكثر مناطق العالم دموية، وأكثرها ضحايا من القتلى والأرامل والأيتام، وطبقًا للتقرير أيضًا فإن عدد القتلى من الفلسطينيين منذ عام 2000، أي منذ عشرة أعوام، قد بلغ أكثر من أربعة آلاف قتيل، لقوا حتفهم بأبشع الوسائل تدميرًا، أو تحت أنقاض بيوتهم. * * * هل سيأتي يوم يدفع فيه الأمريكيون والأوروبيون وأمثالهم، الثمن الحقيقي لتآمرهم على اغتصاب فلسطين، وطرد الشعب الفلسطيني، وإقامة الكيان الصهيوني المجرم، وما ترتب على ذلك من حروب وخسائر وجراح ومآسٍ مروعة؟! لقد فعلها اليهود، وجعلوا أوروبا كلها تدفع الثمن غاليًا لما حدث لهم من اضطهاد، في مختلف البلدان الأوروبية عامة، وفي ألمانيا على وجه الخصوص، حتى أصبح الهولوكوست عارًا، ولعنة أبدية يعيشها الأوروبيون، وتلاحقهم حتى داخل بيوتهم، وتقف عند حدودها عقولهم، فلا يناقشونها وحرياتهم فلا يمارسونها، وقوانينهم فيستثنونها، حتى أنك لتستطيع آمنًا إنكار وجود الله تعالى، وتتهجم على الدّين، لكنك تعاقب إذا أنكرت وقوع الهولوكوست، أو شككت في أي من تفاصيله وأرقامه. يبقى الأمل في أن تنهض الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي مجتمعتين، بتوثيق كل الجرائم الصهيونية، والدعم الأمريكي والأوروبي للحركة الصهيونية، وتكلفة الأهوال التي عاناها الفلسطينيون والعرب عبر ستين عامًا من النكبة، استعدادًا ليوم الحساب الذي ربما يراه البعض بعيدًا ونراه قريبًا.