ارتفعت أسعار الشقق السكنية وسط العاصمة اللبنانية بيروت بشكل مخيف ، حيث يضطر من يرغب في شراء شقة من ثلاث غرف إلى دفع مبلغ من المال يفوق سعر الشقة السكنية بنفس المساحة وسط العاصمة الألمانية برلين، على سبيل المثال. غير أن ارتفاع أسعار العقارات في لبنان، التي اعتادت الحروب التقليدية والأهلية، لا يعني بأي حال ارتفاع التوقعات بقدوم السلام بين اللبنانيين ، بل على العكس: ففي الوقت الذي يختلف فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول شكل التسوية العادلة بين اليهود والعرب ، يعد اللبنانيون انفسهم "وجدانيا" لمواجهة عسكرية جديدة. وأدى تبادل إطلاق النار على الحدود الإسرائيلية خلال شهر آب/أغسطس الماضي وحدوث معركة بالأسلحة قبل أيام بين حزب سني وآخر شيعي ، إلى بعث المخاوف من جديد، إن من يقوم الآن باستثمار أمواله في بيروت يتحسب لخفض قيمة رصيده المصرفي بالعملة اللبنانية إذا ما كانت الكلمة للسلاح، في القريب العاجل. يقول أنطوان زهرة، وهو نائب بالبرلمان اللبناني عن الحزب اليميني المسيحي القومي (حزب القوات اللبنانية): "نحن في وضع متأزم ، يتوقع أغلبية الشعب فيه العودة للعنف ، سواء من خلال حرب بين إسرائيل وإيران، سيجر إليها لبنان أيضا، أو من خلال مواجهة بين السنة والشيعة ، ستتورط فيها أيضا الأطراف الأخرى، يبتسم زهرة وهو يشعل سيجارته ثم يستطرد: "حين يقاتل اللبنانيون بعضهم بعضا، فإن الثمن الذي يدفعه الشعب اللبناني يكون أعلى من الثمن الذي يدفعه في مواجهة مع إسرائيل". غير أن السيناريو الآخر يثير الخوف أيضا لدى العديد من اللبنانيين كذلك: فلو قامت إسرائيل بتدمير المنشآت النووية الإيرانية فإن حزب الله سيطلق صواريخه على إسرائيل تضامنا مع إيران، ومن ثم يمكن توقع قيام إسرائيل بالرد على ذلك بقصف أهداف لها في لبنان. ويضيف زهرة في هذا السياق: "صرح الإيرانيون أنفسهم، بأن حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان هما خطا الدفاع الأول بالنسبة لهم"، كان حزب زهرة الذي يقوده سمير جعجع في الأصل إحدى الميليشيات المسلحة، وتلقى أثناء الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990) بعض الدعم من إسرائيل، ونادى سمير جعجع، قائد القوات اللبنانية في أغسطس الماضي، بأن يصبح حزب الله اللبناني الذي يتلقى المال والسلاح والدعم من إيران جزءا من الجيش النظامي للبلاد، ولو كان الأمر بيد جعجع، لقام بجمع أسلحة حزب الله من قذائف الدبابات والبنادق الآلية التي استخدمها جنود حزب الله ضد خصومهم السياسيين في شوارع بيروت من قبل. ويعتبر تيار المستقبل بزعامة رئيس الوزراء، السني، سعد الحريري أن هذه الفكرة طيبة، حيث يقول أحد أعضاء الحكومة اللبنانية عن التيار: "نخشى أن تتخذ إسرائيل وجود 40 ألف صاروخ لدى حزب الله ذريعة لشن هجوم جديد على لبنان" ويضيف: "أما لو كانت هذه الصواريخ جزءا من استراتيجية الدفاع الخاصة بالجيش اللبناني،فإن هذه الحجة ستسقط، كما أنه سيصبح في مقدورنا أن نضع هذه الصواريخ إلى جنوب نهر الليطاني". يمثل نهر الليطاني حاليا خط الحدود بين المنطقة منزوعة السلاح جنوب لبنان وبين الحدود الإسرائيلية وهي المنطقة التي تشرف عليها قوات الأممالمتحدة للسلام المعروفة باليونيفيل، إلا أن حزب الله لا يفكر مطلقا في وضع ترسانة الأسلحة التي يملكها في خدمة الدولة ، وإنما يحتفظ بها فقط حسب التصور الخاص به "لمقاومة العدو الصهيوني" ولحزب الله في مجلس النواب اللبناني الذي يضم ثلاثين نائبا، اثنان فقط، غير أن القوة العسكرية التي يتمتع بها حزب الله،الموالي لإيران،تضمن له عمليا حق النقض في أي قضية تطرح للنقاش، ويحسن حزب الله استغلال هذا الحق بدأب كبير. ويقول الجنرال السابق ميشيل عون الذي يعد حليفا لحزب الله:"يصعب أن تدمج حركة مقاومة في جيش نظامي، فهذا ليس حلا بالنسبة لنا"، وحين يقول عون(75 عاما) كلمة "نحن" فإنه يقصد الجماعات التي تؤيد المقاومة ضد إسرائيل. وينتمي عون للمسيحيين الموارنة ، ويرى نفسه مدافعا عن حقوق المسيحيين الشرقيين، ويضيف في ذلك قائلا: "يتعرض المسيحيون لضغط كبير،سواء في العراق أو إسرائيل أو فلسطين"، ولا يتفهم كثير من اللبنانيين مسعى عون للتحالف مع حزب الله المدعومة من "دولة إيران الإسلامية الثيوقراطية" من أجل الدفاع عن حقوق المسيحيين. ولا يكترث عون - شأن أغلبية اللبنانيين - بمفاوضات السلام الحالية التي ترعاها الولاياتالمتحدة، بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي ونتنياهو في واشنطن، أولا لأن اللبنانيين لا يصدقون أن عباس بوسعه أن يحصل على عرض من نتنياهو يمكن أن يقبله أغلبية الفلسطينيين، وثانيا لأنهم لا يتوقعون أن تسمح إسرائيل بعودة اللاجئين الفلسطينيين وأولادهم إلى أرض آبائهم وأجدادهم. ويعارض المسيحيون اللبنانيون بصفة خاصة منذ خمسين عاما وبكل ما أوتوا من قوة، منح هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين الذين يزيد عددهم عن 400 ألف فلسطيني على الأرض اللبنانية حقوق المواطنة في لبنان ، لأنه لو تم دمج هؤلاء الفلسطينيين الذين ينتمي أغلبيتهم إلى المذهب السني، فإن التقسيمة الدينية التي يقوم عليها النظام السياسي في لبنان ستتحول لغير صالح المسيحيين.