قال الضَمِير المُتَكَلّم: شَعِيرة العِيد لها مقاصدها وفلسفتها العظيمة. فالعِيد محطة استراحة يحاول فيها الإنسان أن يخلع عباءة المعاناة بشتّى أشكالها وأحجامها، ويُلقي بها جانبًا؛ لكيما يتزوّد بجرعات صادقة من الفرحة والبهجة، ولو لبضعة أيام. ولكن ألا تلاحظوا أن العِيد في هذا الزمان سُلِب منه (المعنى البعيد والمفيد)، وأصبح قشورًا خارجية مجردة من العواطف؟ نعم هناك ابتسامات متبادلة مرسومة على الوجوه، ولكن لو أمعنت النظر فيها، لوجدتها في معظمها زائفة أشْبَهَ بالأصباغ التي تكسو وجوه المهرجين في السيرك!! أمّا لماذا؟ فلأن العيد قد سُرِق بطريقة أو أخرى، والفرحة في نفوس الناس قد ذُبِحَت، وتفرّق دمها بين قبائل المصالح المشتركة! فمَن أوصى بأن تكون رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين ثابتة، وتقف عاجزة عن الوقوف في طوفان الغلاء، فقد نهب بهجتهم! ومن أغْرق الناس في مستنقعات الديون والقروض وسوق الأسهم والمساهمات الوهمية، ونسيهم دون أن يبحث لهم عن طوق نجاة، فقد سرق فرحتهم!! ومَن أجبر مريضًا على مصارعة المرض الفتاك لشهور، وربما لسنوات في انتظار موعد المستشفى، فقد قضى على سعادته بالسكتة الإدارية! ومن حرم طالبًا من حقه المشروع في مقعد جامعي في التخصص الذي يرغبه. فقد منعه من الاحتفال بالعيد! ومن ترك الشباب المسكين فريسة سهلة لمخالب البطالة، فقد انتزع منهم معاني الغِبَطَة، وصَيّرهم أجسادًا جامدة خاوية! ومن ضيّع خيرات الوطن وأهدرها بعشوائية الإدارة، وسوء التخطيط والتنفيذ، أو استولى عليها بالفساد المالي المقصود، فقد حكم على الوطن بأن يرتدي الحزن وثياب السُواد! ومَن كانت خطبه ومواعظه بُكَائية تنفر الناس من الحياة، ومن مظاهر الترفيه البريء، وتدعوهم فقط إلى انتظار الموت، فقد حَرم أتباعه من الحُبور، وقذف بهم وهم أحياء إلى غياهب القبور!! أعزائي، ومع ذلك فعلينا أن لا نبقى أسارى لأولئك، ولا نخضع لنمطية التهاني الباردة (رسائل نصية، أو وساطية، أو إلكترونية)، تعالوا إلى فرحة العيد ببساطتها، ونُبل مقاصدها، هلمّوا لنحتفل بطريقة جديدة.. ما رأيكم أن نمنح قيمة الملابس الجديدة، وحلوى العيد، ومفرقعاته، أو على الأقل بعضها للفقراء؟! ما رأيكم بتفقد كبار السنّ في أُسَرنا وجيراننا؟ أو بزيارة عابرة تحمل الورود للمرضى في المشافي، وللأيتام في دورهم، والعجزة في أربطتهم؟ باختصار لماذا لا نبتكر طرقًا جديدة للفرحة تنسى المظاهر، وتتذكر المحتاج المسكين.. كل عام وأنتم العيد. ألقاكم بخير، والضمائر متكلّمة. [email protected]