الأخوة في الله هي منحة قدسية، وإشراقه ربانية، ونعمة إلهية يقذفها الله عز وجل في قلوب المخلصين من عباده، والأصفياء من أوليائه، والأتقياء من خلقه. قال تعالى: (لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) سورة الأنفال. وقال تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا) سورة آل عمران . والأخوة في الإسلام هي قوة إيمانية نفسية تورث الشعور العميق بالعاطفة والمحبة والاحترام، والثقة المتبادلة مع مَن تربطه هذه الصداقة، وهذا الشعور يولّد في النفس أخلص الأحاسيس الصادقة التي تنعكس على حياتنا التعاونية، والرحمة فيما بيننا، والصبر على الشدائد، والتنفيس وقت الضيق، والتكافل وقت العجز، وكذلك الابتعاد عن كل ما يضر الناس، والابتعاد عن المصالح الذاتية، والمنافع الشخصية، وإن الصداقة إذا كانت لا تقوم على الإيمان والتقوى تكون ضعيفة جدًّا، فتنقلب إلى عداوة وبغضاء من أول صراع على الدنيا، أو التنافس على المغانم، وقد روى الشيخان عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”. قال الله تعالى أيضًا: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). فالإنسان المؤمن إيمانًا صادقًا بمجرد أن يلقى أخاه المؤمن يشعر بالأنس والسرور والصفاء في أولى لمحات التعارف، فتسري المحبة إلى قلبيهما، وتسير في دمائهما، وتسمو روحهما، وتترفع عن الرذائل، وتزهد بما في هذه الدنيا من مطامع ومصالح شخصية، أمّا الإنسان الخبيث فلا يمكن أن يصل إلى هذا المستوى من المحبة والصفاء؛ لأن ما يدور في نفسه من مصالح شخصية تطفو على صداقته ومحبته، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف” رواه الشيخان. فيا أخي الشاب: بعد أن بانت لك معالم الأخوة الإسلامية المبنية على المحبة والرحمة والعطف الصادق في الله، الذي ينبع من القلوب الطاهرة التي تترفع عن الرذائل وعن المصالح الشخصية، وتركز حبها في الله، وفي عمل الخير للناس، فتتعلق قلوبهم في هذه الصداقة، وتذوب نفوسهم فيها فيكونوا متأسين ومقتدين بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، والذين كانوا كما وصفهم الله تعالى في كتابه: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم). فكانت صداقتهم في الله، وحبهم لوجه الله تعالى، مترفعين عن الدنيا، زاهدين بخيراتها، يبتغون الدار الآخرة، يفضل أكثرهم أخاه على نفسه، وقد ضربوا أروع الأمثلة في المحبة والصداقة، فكم من واحد بات جائعًا ليشبع ضيفه، وكم من واحد سهر الليالي لينام خليله، لقد منحهم الله الإيمان الصادق، وخير أرواحهم وألفها وجعلها تتناكر مع أرواح مَن خالفهم. فيا أخي المسلم: لندع همّ الدنيا عنّا جانبًا، ولنتبع خطوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ونسلك طريقهم في المحبة والإخلاص لكي يوفقنا الله جميعًا لما يحبه ويرضاه.