توقفت في مقال الأمس عند الحديث عن أحد الأوامر الإلهية الصريحة التي تكفل الحفاظ على حرية الفرد. وقد كان الأمر الإلهي الذي توقفت عنده البارحة هو ذاك المتعلق بالنهي عن التجسس. لكن صيانة الحرية الفردية في الإسلام لا تتوقف عند النهي عن التجسس. الإسلام منح الفرد حقوقًا أخرى في هذا الإطار، منها ما ورد في القرآن الكريم بشأن النهي الصريح عن اقتحام البيوت. يقول الله سبحانه وتعالى: “يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس وللحج وليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وآتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون” البقرة. وهناك ضمانات إلهية أخرى بهدف الحفاظ على حرية الفرد ضد أية خروقات يمكن أن تنتهكها. والملفت أن هذه الضمانات كانت أكثر وضوحًا وصرامة من مجموعة النواهي المشار إليها آنفًا. يقول الله جل وعلا: “يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدًا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإذا قيل لكم أرجعوا فارجعوا ذلك أزكى لكم والله بما تعملون عليم”. النور. والآية السابقة تتجاوز مرحلة الاستئذان إلى مرحلة الاستئناس الذي يعد أعلى درجات الاستئذان. ذلك أن الاستئناس كفعل، يعني التماس الرغبة أو الاستعداد أو عدم كراهة المستأذن منه للدخول عليه. وهذا يعني أن المسألة تتجاوز جانب الفعل المباشر لتصل حد الاستشعار، حيث الاحترام الجم لمشاعر المستأذن عليه وليس لحقوقه فقط. إنه التزام بتقصي المشاعر نفسها وليس التزامًا فقط بأداء واجب الاستئذان! إلى هذه المسافة ذهب الإسلام في احترام حقوق الفرد والتكفل بصيانتها. الاستثناء الوحيد الذي يمكن معه خرق النواهي السابقة، هو الاعتبارات الأمنية سواء تلك المتعلقة بالأمن القومي أو بالأمن الاجتماعي. أما ما عدا ذلك فإن القرآن كان صريحًا في وضع الضوابط الصارمة التي تحكم مسألة تهديد حرية الفرد. لكن هل المجتمعات الإسلامية استوعبت حقيقة الأوامر والنواهي الصادرة لها في هذا الإطار؟ وهل نقدر كأفراد مدى خطورة الغيبة وسوء الظن والتجسس وتتبع عورات الآخرين؟ ليت الواعظين يذكرون الناس بحقوق الآخرين عليهم فإن الذكرى تنفع المؤمنين. [email protected]