مظاهر التيسيرات الشرعية المتعلقة بصوم شهر رمضان كثيرة ومتعددة، وسأبدؤها بالحديث عن نية الصوم، فقد اتفقت كلمة العلماء على وجوب النية للصوم لعموم قوله: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى” رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجة، ولخصوص قوله: “من لم يُجْمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له” رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، وقوله: “من لم يبيت الصيام قبل الفجر - وفي رواية: من الليل - فلا صيام له” رواه النسائي. وقد اختلف العلماء في وقت نية الصوم لكل يوم من أيام رمضان، فيجب عند الشافعية والحنابلة تبييتها في كل ليلة؛ لأن صوم كل يوم عبادة منفصلة عن الآخر، ويتخللها إتيان بعض منافيات الصوم، ولا يفسد بعضها بفساد بعض، ويجوز عندهم إنشاء نية الصوم أي وقت من الليل، فلا يجب مقارنتها مع دخول وقت الفجر، ولا يجب تأخيرها إلى نصف الليل الأخير، فلو أفطر الصائم بعد غروب الشمس ثم نوى صوم يوم الغد عن رمضان فقد صحت نيته، وإذا نوى الصائم فإنه يجوز له رغم نيته أن يأكل ويشرب ويأتي ما أحل الله له، ولا يقدح فعله لشيء منها في نيته. أما الحنفية وإن كانوا يشترطون التعيين لصوم كل يوم إلا أنه لا يجب عندهم تبييت النية من الليل، بل يجزئ عندهم تأخير النية إلى الضحوة الكبرى بحيث يكون معظم اليوم مسبوقًا بالنية، وقد استدلوا بأن النبي أرسل غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: “من أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائمًا فليصم” رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي، وكان صوم عاشوراء واجبًا، ثم نسخ بفرض صوم شهر رمضان. وأما المالكية فيكفي عندهم نية واحدة في أول ليلة من ليالي شهر رمضان، ولا يجب إعادة تبييت النية في كل ليلة؛ لأن كل صوم وجب تتابعه كصوم رمضان وصوم شهرين متتابعين في الكفارة يكفيه النية أول ليلة منه. أما صوم النفل فيمتد فيه إنشاء النية إلى زوال الشمس بشرط ألا يسبقها إتيان أي شيء من المفطرات، ودليل ذلك حديث أم المؤمنين عائشة قالت: قال لي رسول الله ذات يوم: “يا عائشة هل عندكم شيء”؟ فقلت: يا رسول الله ما عندنا شيء، قال: “فإني صائم”، قالت: فخرج رسول الله، فأهديت لنا هدية أو جاءنا زَوْر، قالت: فلما رجع رسول الله قلت: يا رسول الله أهديت لنا هدية أو جاءنا زور، وقد خبأت لك شيئًا، قال: “ما هو”؟ قلت: حَيْس، قال: “هاتيه”، فجئت به فأكل، ثم قال: “قد كنت أصبحت صائمًا” رواه مسلم والنسائي، فقد أفاد الحديث مسألتين متعلقتين بالنية في الصوم: الأولى جواز إنشاء النية في النهار، والثانية جواز قطع صوم النفل، ويؤيده قوله: “الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر” رواه أحمد والترمذي.