تبدأ قصة النبوة بكلمة أقرأ يوم نزلت على رسولنا صلى الله عليه وسلم في الغار، ومن بداية اقرأ بدأنا، بدأ تاريخنا ومجدنا وحياتنا، ومن تاريخ نزول اقرأ بدأت مسيرتنا المقدسة، وتغير بها وجه الأرض، وصفحة الأيام ، ومعالم الدنيا فتلك اللحظة هي أسعد لحظة في حياتنا نحن المسلمين، وهي اللحظة الفاصلة بين الظلام والنور، والكفر والإيمان، والجهل والعلم، واختيار اقرأ من بين قاموس الألفاظ وديوان اللغة له سر عجيب ونبأ غريب، فلم يكن مكان اقرأ غيرها من الكلمات لا أكتب ولا ادع ولا تكلم ولا قل ولا اخطب، إنما اقرأ ، ويالها من كلمة جلية جميلة أصيلة. اقرأ يا محمد قبل أن تدعو، واطلب العلم قبل أن تعمل (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك) إن اقرأ منهج حياة ورسالة حية لكل حي تطالبه بتحصيل العلم النافع وطلب المعرفة، وأن يطرد الجهل عن نفسه وأمته. وأين يقرأ بأبي هو وأمي وهو ما تعلم على شيخ ولا رأي كتاباً ولا حمل قلماً؟ يقرأ أولاً باسم ربه كلام ربه، فمصدره الأول الوحي يتلوه غضاً طرياً، ويقرأ في كتاب الكون المفتوح ليري أسطر الحكمة تخطها أقلام القدرة ، فيقرأ في الشمس الساطع، والنجوم اللامعة، والجدول والغدير والتل الرابية، والحديقة والصحراء، والأرض والسماء: وكتابي الفضاء أقرأ فيه صوراً ما قرأتها في كتاب وكلمة اقرأ تلك تدل على فضل العلم وعلو مكانته، وأنه أول منازل الشرف والرفعة، وطريق السيادة والمجد، وبوابة السعادة والنجاح. وكل سعادة وفلاح فسببها العلم؛ فرسالته صلى الله عليه وسلم علمية عملية؛ لأنه بعث بالعلم النافع والعمل الصالح: (( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث)). فاليهود عندهم علم بلا عمل، فغضب عليهم، والنصارى لديهم عمل بلا علم، فضلوا، فأمرنا بالاستعاذة من سبيل الطائفتين: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ). وكلمة اقرأ رسالة موحية لها دلالات وأبعاد وأسرار، فهي إبقاء للهمة لتطلب الهدى من مظانه، وتغوص في فهم الحياة، وتبحث عن الحقيقة، وتكتشف أسرار الكون، وتطالع الآيات البينات في الإنسان والحيوان والجماد، وتسافر مع البحث العميق والدراسة المتأنية والعمق المعرفي الذي يكشف عظمة الخالق وقدرة الباري وحكمة الصانع جل في علاه.