يعيش البعض في قلاع من الوهم والمثالية المفتعلة التي لا علاقة لها بالواقع المعاش إلى درجة كبيرة، والتي تصوّر لهم أن النساء مدللات، مكفولات، محمولات على أكف الراحة، وأن مجرد حركة منهن تجاه إثبات الذات وكفاية النفس ما هي إلاّ نوع من البطر بالنعمة التي كفلها لهن العائل والولي. وكل تلك التخيّلات تجانب الواقع، ولا تنطبق إلاّ على فئة قليلة جدًا في كل المجتمعات، وعلى مر التاريخ الإنساني وإلاّ فماذا نفسر كل تلك الزوبعات التي تهب براكينها كلما فتح باب معاش للمرأة فى مجتمعنا تستطيع به كفاية نفسها ومَن تعول. ألم تهب عليها رياح السموم المقيتة هذه عندما شرع فى موضوع بيع المستلزمات النسائية، وهو شأن النساء فى كل أنحاء العالم، وانتهى القرار في جب التاريخ، ويتكرر الحدث والوقائع ذاتها الآن عندما أرادت إحدى شركات التغذية توظيف النساء (بائعات كاشير)، قامت الزوابع من كل حدب وصوب تندد وتشذب وتقاطع الشركة ومَن يحذو حذوها، وكل ذلك التحفز الشرس لتحطيم أي قرار قد يساعد الكثير من السيدات المتطلعات لعمل قد يكفيهن شر السؤال والتردد على أبواب البر تارة، والجمعيات الخيرية تارة أخرى، ناهيك عن لئام البشر الذين ينشرون إعلانات العمل المشبوهة، أو مدّعي السعودة، وفبركة الأسماء، واستغلال الحاجة لأقصى درجات الامتهان، وغيرها، وغيرها، وغيرها من الوسائل المضنية المرفوضة عند الكثيرات منهن لتدنى مردودها وكثرة أعبائها. وأسوق أمثلة على ذلك لمستها بنفسي، وعشت مع تجاربها كأخصائية أوجه حالاتي للمؤسسات المختلفة ادّعت بعض المصانع توظيف السيدات لحاجتها لبنات الوطن، وكانت المفاجأة ان الرواتب الشهرية لا تتجاوز الستمائة ريال لمدة 8 ساعات يوميًّا! ورغم ذلك التحق بها الكثيرات إلاّ أنهن لم يصمدن طويلاً أمام إرهاق العمل، وضعف الراتب، وسوء المعاملة. لنطلع على مأساة المدارس الأهلية التي تستلم معونات سنوية من الدولة، وتستحلب جيوب الأسر باختراعات شتّى، وتحرق المعلمات وتشغلهن بعشرة أدوار فى وقت واحد تدريسًا وتصميمًا وفنًا وتدريبًا، وتمنحهن رواتب مهلهلة، وهاكم المشاغل النسائية لا تقبل السعوديات في إدارة عملها بادّعاء عدم جديتهن وصبرهن على العمل. إليكم المستشفيات الخاصة التي لا يتعدى عدد الموظفات السعوديات فيها أصابع اليد، والتبريرات جاهزة ومرتبة ومقنعة لمن يستطيع التصديق! وإن اتجهن إلى العمل البسيط كالبيع المفرق في البسط في نواصي الشوارع طاردتهن حملات البلدية، ولا قدرة لهن على دفع رسومها الباهظة. إن كثيرًا من المؤسسات الخيرية تتطلب انتظارًا طويلاً، وأبحاثًا اجتماعية، وقد تقبل الحالة وقد ترفض.. إذن ماذا تفعل المرأة التى تعول أسرتها، ولديها أطفال أو زوج مريض، أو هارب، أو رافض من أين تنفق على أهم نواحي الحياة المعيشية، والصحة، والتعليم؟ كثيرًا ما أجد نفسي حائرة أمامهن بعد تجريبنا الكثير من الوسائل والطرق وبعثهن هنا وهناك أعدهن خيرًا وأنا أول من يعلم صعوبة إيجاد أعمال لهن، خاصة من لا يملكن مؤهلات علمية رغم التساوي بين الاثنين فى كثير من الحالات. هذه المقالة بمناسبة تناول بعضهم لتوظيف النساء كمحاسبات فى الهايبرماركت فى قنوات مختلفة، وكان ذلك اجابة لسؤال من أحد المتصلين أو المريدين ( كالعادة) وقد قيل الكثير ممّا أرفض الخوض فيه إلاّ أن أكثر ما آلمنى ازدراء أحدهم العلني فى قناة معروفة ومتابعة لمن تلتحق بهذه المهنة، واريد منكم تصنيفًا لهذا الفعل وعلاقته بتعاليم الإسلام التي خرج هذا لينادي بها ويحميها كما يقول! [email protected]