بُعث رسول الله في أمة أمية، لا تقرأ ولا تكتب ولا تحسب، فقد قال تعالى: «هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين»، وقال صلى الله عليه وسلم : «إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا - وعقد الإبهام في الثالثة -، والشهر هكذا وهكذا وهكذا - يعني تمام الثلاثين» رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وأبو داود، هكذا كانت صفة العرب زمن البعثة النبوية، بل كان النبي أميا، فقد قال تعالى: «فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته، واتبعوه لعلكم تهتدون» ، وقال تعالى: «الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل»، والأمية في رسولنا الكريم مظهر من مظاهر حكمة الله في دفع شبه المفترين بأن القرآن اختراع من الرسول أو منقول من الكتب السماوية المتقدمة، قال تعالى: «وما كنت تتلو من قبله من كتاب، ولا تخطه بيمينك، إذا لارتاب المبطلون». وفريضة الصوم مقترنة بشهر رمضان بدءا وانتهاء، فكان من مظاهر التيسير أن يثبت دخول شهر رمضان بوسائل يسيرة، يعلمها الكبير والصغير والعالم والعامي والرجل والمرأة، فأناط الشرع الحكيم دخول شهر رمضان برؤية الهلال أو باستكمال شعبان ثلاثين يوما، فقال رسول الله : «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدد ثلاثين» رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه. ولا يجب - بل ولا يصح - أن يعتمد المسلمون في دخول شهر رمضان وخروجه على مجرد الحساب الفلكي؛ لمنافاته للحديث السابق، ولأن الحساب الفلكي لا يعلمه إلا المتخصصون، الأمر الذي يتنافى مع يسر الشريعة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما ذا لو تعارضت الرؤية البصرية مع الحساب الفلكي، كأن شهد رجل بأنه رأى الهلال، وأثبت الحساب في الوقت نفسه استحالة الرؤية؟ أو العكس كأن أثبت الحساب ولادة الهلال، وفي الوقت نفسه لم يتقدم أحد لأداء الشهادة؟ لعلماء الشريعة والمنظمات الإسلامية - خصوصا في الدول الغربية - ثلاثة أقوال مختلفة: أولها الاعتماد على رؤية الهلال فقط حتى لو تعارض مع الحساب، ثانيها الاعتماد على الحساب حتى لو تعارض مع الرؤية، وثالثها - وهو الذي أراه رأيا صحيحا قويا - الاعتماد على الرؤية إذا اتفقت مع الحساب، وهذا الرأي يتفرع عنه أربع احتمالات: 1. أن يثبت الحساب ولادة الهلال وإمكانية رؤيته، ويشهد رجل - بصفة الشهادة المعتبرة شرعا - برؤيته، فيثبت دخول شهر رمضان لاتفاق الحساب والرؤية. 2. أن يثبت الحساب ولادة الهلال، ولم يشهد أي رجل برؤيته، فلا يثبت دخول شهر رمضان بمجرد الحساب. 3. أن يثبت الحساب استحالة رؤية الهلال، ولم يشهد أي رجل برؤيته، فلا يثبت دخول شهر رمضان لاتفاق الحساب والرؤية. 4. أن يثبت الحساب استحالة رؤية الهلال، ويشهد رجل برؤيته، فلا يثبت دخول شهر رمضان لتعارض الحساب والرؤية، وهذا ما يعبر عنه البعض: الاعتماد على الحساب في النفي دون الإثبات.