اعتاد كثير من معدي ومقدمي البرامج التلفزيونية أن يخصصوا لشهر رمضان عددًا كبيرًا من المسابقات، ورصد مبالغ وجوائز كبيرة، يتم تمويلها عن طريق الاتصال الهاتفي، وقد أفتى كثير من الفقهاء والمشايخ بعدم جواز كثير من هذه المسابقات التي تزخر بها القنوات الفضائية، وأكدوا أن جوائزها لا تجوز شرعًا، وعللوا ذلك بما تحتويه من وجود الغرر الفاحش فيها، وعدم اتفاقها مع الدين، وان الهدف منها هو الحصول على أموال طائلة من شريحة كبيرة من المتسابقين، ثم تخصيص جزء بسيط من تلك الأموال ونسبة ضئيلة لأحد الفائزين ويندرج في هذا عدة محاذير شرعية، فالغرم ثابت والغنم محتمل، وحذروا من هذا المسلك الخطير في كسب المال؛ لأنه نوع من القمار فهي في حقيقتها، تعتبر الوجه الآخر لليانصيب المحرم شرعًا، وبرغم ما صدر من فتاوى في هذا الشأن إلا أن هؤلاء المسؤولين عن البرامج في التلفزيونات ما زالوا يخرجون لنا في كل يوم وكل شهر وكل سنة مسابقات جديدة وبخاصة في شهر رمضان وبأسلوب حديث وجديد يغري المشاهد ببذل الكثير والكثير من المال للحصول على تلك الجوائز المعلن عنها ولا يصل إليها إلا عدد قليل بعد أن تدخل خزينة المسابقة أضعافُ أضعاف قيمة الجوائز. وإذا كان مردود هذه الجوائز للقائمين عليها والمتسابقين والفائزين هي من قبيل اكتساب المال بطريقة محرمة شرعًا ومن ثم يكون أكل هذه الأموال مما يجعل المآكل والمشرب والملبس الذي يكون من وراء هذه المكاسب حرامًا، ويحول بين الإنسان وبين ربه في إجابة الدعاء، فهناك من الأحاديث الكثيرة الدالة على وجوب أكل المال الحلال كشرط لقبول العبادة بصفة عامة والدعاء بصفة خاصة، لقول رسول الله: [أطب مطعمك تستجب دعوتك] وإذا كنا نسارع إلى طرح مثل هذه المسابقات ونسعى إلى التسابق عليها فكيف لنا أن نطلب النصر من الله على الأعداء وبعضنا يبارز الله بأكل الحرام من كل الوجوه بالغش واستغلال الناس بجوائز اليانصيب؟ كيف نطلب التوفيق وبعضنا لا يتحرى الحلال؟! إن العتب يكبر بحجم الأمل وبقدر المسؤولية التي تنعقد على المسؤولين على هذه البرامج فهم قادرون على منع هذا الغثاء والعبث وعدم السماح به في جميع الوسائل الإعلامية، وعليهم أن يدركوا أن مسؤوليتهم أمام الله كبيرة لأنهم قادرون على منع هذه المسابقات التي ذكر العلماء عدم جوازها شرعًا، وليس هناك من عذر لهم عند الله فلا المنصب يبرر لهم ذلك ولا الرغبة في تنويع البرامج ينهض سببًا وجيهًا، ولا مبدأ التسويق لذلك الجهاز يوجب مثل هذا العمل. أما ما يحدث من المتسابقين وما يعتريهم من التلهف والسعي وراء الاشتراك في هذه المسابقات لكسب هذه الجوائز فإنه ولئن كان من الناحية الاقتصادية قد يكون له ما يبرره نظرًا لحب الإنسان للمال كطبيعة بشرية، ثم إن المعاناة المالية التي يعيش كثير من الناس تحت وطأة ضغط ظروف مالية قاسية، فتجعل هؤلاء يتعلقون ببصيص من الأمل في خطف هذه الجائزة لسد الفجوة الكبيرة بين احتياجاته العائلية الضرورية الملحة والكثيرة وبين قدراته المالية القليلة البسيطة، فضلًا عن أن قيمة تلك الجوائز تعتبر كبيرة جدًا مقارنة بما يقدمه كل واحد في المسابقة من المال، ولكن بما أن البحار والأنهار تتكون من قطرات فإن قيمة الاشتراك في المسابقة ولئن كان يرى على أنه مبلغ بسيط إلا أنه في مجموعه بالنظر إلى عدد المشتركين فإنه يكون مبلغًا كبيرًا وضخمًا. فتلك الأموال البسيطة تتعاظم تتكون أرقامًا فلكية يتم طرح قيمة الجائزة منها والباقي يذهب إلى جيوب القائمين على هذه الجائزة. إلا أنه إذا نظرنا إلى ما يحدث من هؤلاء المتسابقين من تسرع وهجوم على هذه المسابقات من الناحية الشرعية فهو أمر يدعو للدهشة والاستغراب فكيف لا يتحرون المال الحلال والكسب المشروع ويتهافتون على هذه المسابقات تهافت الفراش على النار دون وازع من الدين أو رادع من الضمير. وهم إما يعلمون حرمة ذلك ويقدمون عليه ففي هذا خطر كبير على الإنسان في دينه وآخرته، وإما إنهم لا يعلمون الحكم الشرعي فعليهم أن يسألوا قبل أن يعملوا، فليس هناك إنسان عاقل يتناول أدوية دون أن يعرف فوائدها ومضارها، فإذا كان هذا في سلامة وصحة الإنسان ففي سلامة عقيدته وصحة دينه تكون أولى وأوجب، مما يستوجب إعادة النظر من قبل المسؤولين عن إجازة هذه المسابقات بأنواعها وبخاصة في هذه الشهر الكريم الذي لا تتفق فيه هذه المسابقات مع روحانيته وقدسيته.