جاء الأمر الملكي الكريم بقصر الفتوى على أعضاء من هيئة كبار العلماء، ممن يأذن لهم ولي الأمر بذلك بعد تحديد كفايتهم وأهليتهم التامة للاضطلاع بهذه المهمة ، جاء هذا الأمر ليضع الأمور في نصابها الصحيح، ويضع نهاية لفوضى الفتاوى التي أصبحت ظاهرة مسيئة للإسلام ومشوهة لتعاليمه ومبادئه السامية التي لا تشوبها شائبة بعد أن أصبحت القنوات الفضائية تتبارى في ترويجها دونما أي اعتبار لنتائجها الوخيمة وآثارها الخطيرة على أفراد المجتمع. تكمن أهمية القرار في توقيت صدوره مع إطلالة شهر رمضان المبارك الذي يتجه فيه المسلمون إلى ربهم طالبين العفو والغفران والرحمة وكلهم حرص على إتباع أوامره واجتناب نواهيه ، وطلب رضاه ، إلى جانب ما يعكسه من غيرته حفظه الله - على دينه وأمته ، ودرءا منه للجدل الذي أحدثته مؤخرًا بعض الفتاوى الشاذة التي تبثها القنوات الفضائية من هنا وهناك بما أدى إلى بلبلة الأفكار وتشويش العقول ، وهو ما حفز خادم الحرمين لحسم الأمر بدافع حرصه على أن لا يمس دين الله بسوء ، أو أن تشوه صورته الحقيقية ، وذلك من منطلق إحساسه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه باعتباره الأمين على هذا الوطن الذي يعني الكثير للأمة الإسلامية كونه موطن رسالة الإسلام وأرض الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين في جميع أنحاء العالم ومحجهم ومعتمرهم ومحط أنظارهم ، وما يقتضيه ذلك كله من العمل على الحفاظ على شعار الدين وعلى النهج القويم نبراسًا للأمة وحصنًا للعقيدة أمام كافة المتغيرات التي تعصف بعالمنا المضطرب ، وإظهار بلادنا التي هي قدوة المسلمين بالمكانة اللائقة على المنهج الوسطي الذي أراده لها الله . هذا الأمر الملكي الرشيد والتوجيه السديد يعتبر في ضوء ما سيؤدي إليه بإذن الله وتوفيقه من تنظيم للفتاوى الشرعية وتوحيدها، لا سيما مع ما يحمله من إشارة واضحة بحظر ومعاقبة كل من تسول له نفسه إصدار فتوى بدون إذن ، يعتبر إضافة جديدة في مسيرة الإصلاح الشامل التي يقودها خادم الحرمين الشريفين وينشد منها مرضاة الله عز وجل تحت شعار «لا نرضى بأي شيء يمس ديننا ووطننا».