* يقول الخبر الذي تطايرت به وكالات الأنباء: «قال وارين بافيت: “إن (40) من أغنياء الولاياتالمتحدةالأمريكية قد تعهدوا علنًا بالتخلّي عن ما لا يقل عن نصف ثرواتهم للأعمال الخيرية، وهي الخطوة التي من شأنها ضخ حوالي (60) مليار دولار في الجمعيات والمؤسسات الخيرية». وبافيت هذا كما يعرف البعض أغنى أغنياء العالم، حيث تقدر ثروته بمبلغ وقدره (62) مليار دولار، تبرع بمعظمها للأعمال الخيرية. * في القرآن الكريم دستور خير أمة أخرجت للناس يقول الحق تبارك وتعالى: «إن الإنسان خُلق هلوعًا إذا مسه الشر جزوعًا وإذا مسه الخير منوعًا إلاّ المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم». * لا أعرف كيف سرَحْتُ مع الخبر والآية ونحن في شهر كريم، أغنياء الولاياتالمتحدةالأمريكية الذين نتفاخر ليل نهار بشتمهم، والانتقاص منهم، خاصة في الأخلاقيات السلوكية والالتزام الديني يبادرون إلى (التخلّي)، نعم التخلّي وليس التبرع أو الإحسان، عن نصف ثرواتهم للأعمال الخيرية، ولا أحسب أن دافعهم دعائي أو تحقيق مصالح خاصة أو المباهاة الاجتماعية، لأنهم يملكون كل ذلك وليسوا في حاجة إلى شيء من هذا على الإطلاق، ومن عاش بينهم وفي بيئاتهم يدرك ذلك. * في المقابل القرآن الكريم وبتأكيد الحق سبحانه وتعالى يصف المؤمنين ومزاياهم التي جعلت لهم مكانة سامية ودرجة رفيعة في جنات الخلد، اعترافهم بحق معلوم للسائل والمحروم في أموالهم، ولهذا فهم يبادرون إلى دفعها دون منِّة أو تفّضل. فكما أفهم من الآية أن ما يُعطي للسائلين والمحرومين من فقراء ومساكين ومحتاجين ليس تفضلًا أو منِّة من الأغنياء، بل هو (حق) لا يشكرون، عليه وواجب يجب عليهم أداؤه، وإلاّ دخلوا في زمرة المانعين لأمر الله والرافضين لالتزاماتهم الدينية. * في الإحصاءات المالية السنوية التي تنشرها جهات مختصة يتصدر أغنياء المملكة العربية السعودية قائمة أغنياء المنطقة، بل ويقفزون إلى مراتب متقدمة في الترتيب الثرائي العالمي، وفضائنا المجتمعي وبالأرقام والحقائق والواقع المعاش يبين وجود نسبة عالية من المحتاجين من فقراء ومساكين وأيتام وضعفاء وأرامل ومرضى وجمعيات ومؤسسات خيرية. * ولكن لم أسمع عن مبادرة من مثل مبادرة أغنياء أمريكا لا من قريب أو بعيد، اللهم إلاّ بعض المبادرات الفردية التي يشكر عليها أصحابها وإن لم تكن ترقى إلى المستوى المطلوب، والمؤثر في إحداث نقلة نوعية وكمية في حالات الفقر والحاجة التي تعيشها شرائح ليست قليلة في مجتمعنا السعودي. * وجوه الخير تكاد تغطي الفضاء المجتمعي السعودي، وحاجة الفقراء والمساكين كذلك، وتعاليم الدين تُلزم الأغنياء دفع زكاة أموالهم، و(تسليم) الحق المعلوم، -وليس الفضل أو الإحسان أو الصدقة- لأصحابه، ولو أن هذين الأمرين تحققا بصدق ونزاهة ودون فذلكات ودعايات ورياء إعلامي ومجتمعي لهرب الفقر من أوسع الأبواب، ولما بقي محتاج أو مسكين لمال أو تعليم أو علاج أو غذاء أو كساء على الإطلاق فوق هذه التربة المباركة، ولكن هي النفس البشرية كفانا الله شرها، وجعل أغنياءنا من المعنيين بالآية الكريمة. فاكس: 6718388 – جدة [email protected]