· لهذا الشهر في ذاكرتي حكايات جميلة فهو شهر الصيام ، شهر الخير ، شهر القرآن ، شهر المحبة والتسامح ، هكذا عشته أنا منذ كنت طفلا كل أحلامه لا تتجاوز اللهو البريء في ليالي رمضان يوم كانت الحياة بسيطة بكل ما تعنيه الكلمة وكانت فرسان البلد النائية والمكان المسكون بالعدم وكنت مثلي مثل أطفال القرية أخرج بعد صلاة التراويح لألتقي أقراني الذين يشاركونني اللعب حتى السحر ، تلك الأيام الجهمة كانت أقسى من صخرة وكان العذاب فيها هو ما يميزها يوم كان الحرّ يقتل فينا الحناجر وكان الظمأ هو العدو الذي يتربص بصغار الصائمين ولكم أن تتصوروا كيف يكون الصيام في قرية كل ما فيها بدائي وكيف تكون الحياة بلا كهرباء وكيف يكون حال الماء من البئر وكيف يكون السفر في المراكب الشراعية وكيف يكون الريح سيد اللحظة وكيف يكون الحرمان الصديق العدو الذي تقتله الإنسانية ويحاصره كرم الجيران الطيبين ، هو رمضان الذي عشته ذات زمن مع أناس كلهم يحب كلهم يوم كانت جدتي يرحمها الله تجمعنا حولها لتحكي لنا ( الخراريف) وكنا نتحلّق لنسمع منها حكاياتها التي تبدأها ب كان ياما كان في قديم الزمان كان فلان الغني الفقير الذي كان يهمه الريال وكان يضحي بكل القيم من اجله وكان يستغل حاجة الفقراء وكان وكان ومن ثم تنهي حكايتها بموته تاركا ملايينه لورثته الذين فرحوا بموته ..!! وكأنها تسكب حكمة الأمس في آذاننا لكي لا يقتل الحاضر فينا الإنسان ويبقى رمضان الأمس وحسنه المختلف. · وعن رمضان اليوم .. أحدثكم أنا: فهو شهر المسلسلات ، شهر المسابقات، شهر السهر، شهر التسوق ، شهر الحلويات، شهر السبموسك، شهر الكنافة، شهر السوبيا ، شهر الباعة المتجولين، شهر النوم ، شهر الدوام غير المنضبط ، شهر المعارك الدامية ، شهر النرفزة ، شهر الطراطيع ، شهر الفول، شهر النفوس التي تعتقد في أن الصوم هو أن تنام بعد الفجر وتستيقظ في العصر ومن ثم الخروج من المنزل بهدف شراء لوازم الفطور ومن هنا تبدأ عملية التبضع بطريقة مجنونة وعند الفطور تموت الرغبة وتنتهي كل الحكاية في كأس ماء وحبة من التمر وبعدها تذهب كل الأطعمة للمرمى و تمتلئ النفايات بنعم الله ويظل الحال مع الإسراف والتبذير حتى آخر يوم في رمضان. خاتمة الهمزة .. الفرق شاسع بين رمضان الأمس ورمضان اليوم وبرغم ما في ذاكرتي من شقاء عشته في الماضي إلا إنني أرى فيه ملامح حسن يستحيل أن تجدها في هذا الحاضر المسكون بكثير من اللؤم والجنون .. هذه خاتمتي وكل رمضان وانتم طيبون ودمتم . [email protected]