الحمد لله حمد الذاكرين الشاكرين الذي بلغنا شهر رمضان المبارك ونسأله عز وجل أن يوفقنا لصيامه وقيامه كما يحب ويرضى، هذا الشهر الفضيل الذي يعظمه جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، يعرفون فضله وينتظرون قدومه من العام للعام، شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، نزلت فيه العديد من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، كل هذا ولله الحمد أضحى معلوماً واضحاً للجميع، فما إن يقترب شهر رمضان حتى تنبري وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية للحديث عن فضله وأحكامه وتفرد لذلك مساحات واسعة برامج متعددة وأحاديث طويلة. ولكن ما يثيره بعض المتحدثين أحياناً عن عادات وسلوكيات جزء من أفراد المجتمع في رمضان الفضيل أصبح يأخذ حيزاً لا بأس به من الأحاديث والكتابات والمواعظ وخطب الجمعة في هذا الشهر الفضيل. فهناك من الوعاظ من يقول بأن بعض الصائمين يطيل السهر وينام قبل الفجر مضيعاً فضيلة صلاتها ، وهناك من المتحدثين من يتحدث عن أن رمضان أمسى مجالاً للتنافس بين القنوات الفضائية على المسلسلات والمسابقات التي تشد المشاهدين للمتابعة بعيداً عن قضاء الوقت في فضائل العبادة، وبعض من المتحدثين من يشير إلى أن بعضاً من الشباب يقضون ليلهم في اللهو وجل نهارهم حتى قرب صلاة المغرب في سبات عميق مضيعين صلاتي الظهر والعصر- خاصة بأن رمضان يأتي متوافقاً هذه الأعوام مع إجازة المدارس والجامعات - وبعض من الكتاب يتكلم عن كثرة تردد النساء على الأسواق. وهذه السلوكيات الاجتماعية وإن كانت موجودة بشكل أو بأخر وتحتاج من الكتاب أو الوعاظ إلى الالتفات إليها وطرقها، ولكن يجب أن يكون ذلك بالحسنى وباللطف وبدون أن يخدش ذلك من فضيلة هذا الشهر العظيم ومكانته في النفوس، فعظمته وفضله يبقيان كما هما منذ أن فرض الله عز وجل صيامه على عباده المؤمنين، ولا ينبغي المبالغة في الحديث عن سلوكيات وتصرفات لا تتفق مع قدسية شهر رمضان العظيم، فرمضان هو رمضان بكل خيراته وأفضاله ومكانته في قلوب المؤمنين، وتبقى هناك وعلى مر الزمان تصرفات بشرية وسلوكيات اجتماعية ليست مستحبة في رمضان وتتغير بتغير الزمان والمجتمع ولكن لا ينبغي تعميمها فنحن الذين نصبغ رمضان بتصرفاتنا وسلوكياتنا فسيبقى الخير عاماً والفضل غالباً والايجابيات سائدة نسأل الله الهداية للجميع وقبول صالح الأعمال. وهناك موضوع آخر يتطرق إليه عدد من المتحدثين والوعاظ بقولهم إن بعض الناس لا يعرف طريقه للجماعة أو المساجد إلا في شهر رمضان، ولا أدري ما البأس في ذلك أو لم المسبة لمن يفعل ذلك ، صحيح أن رب شهر رمضان هو رب العام كله، ولكن أعتقد أنه من المناسب أن نحتفي بالشخص اللاهي أو المقصر أو الغافل الذي عرف فضل رمضان وأهميته للمسلم، وعلم أن له رباً غفوراً رحيماً فسارع إليه مستغفراً وأقبل إليه مهرولاً وسابق مستغفراً في موسم من مواسم الطاعة، أليس ذلك ربما يكون بفضل الله ورحمته انطلاقة لهذا الشخص لمواصلة الطاعة واستمرار العبادة ومداومته على سواء السبيل. يذكرني ذلك ببعض الكتاب والخطباء في مواسم الاختبارات حين يصفون بعض الطلاب بأنهم يقبلون على الصلاة والجماعة في أيام الاختبارات ، ولا أدري أيضاً لم لا نرحب بهم ونشد على أيديهم لأنهم عرفوا أنهم أمام أمر مصيري وهو الاختبارات وعرفوا أن لا ملجأ لهم من الله إلا إليه. إن الله عز وجل هو الذي وصف نفسه بالغفور الرحيم في أكثر من آية كريمة ووصف رسوله الأعظم سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله في محكم التنزيل (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) فليكن الخطباء الفضلاء والوعاظ الاكارم وليكن المجتمع عموماً رحيماً بالعائدين لدروب الطاعة المجتهدين في مواسم العبادة فلم يفعلوا ذلك إلا لأنهم يقيناً وفي قلوبهم مؤمنون موحدون حقاً. ولا نأتلي على الله ففي النهاية لن يدخل أحد الجنة إلا بفضل الله ورحمته كما ورد في الحديث الشريف، نسأل الله عز وجل أن يظلنا جميعا بظله يوم لا ظل إلا ظله ولا باقي إلا وجهه سبحانه وتعالى. * رسالة: قال أحد الصالحين(ما طابت الدنيا إلا بذكر الله ولا طابت الآخرة إلا بعفوه ولا طابت الجنة إلا برؤيته، ومن المحال أن يحسن منك الظن ولا يحسن منه المن). وكل عام وجميع القراء الأحباء بخير و سعادة ومحبة.