الناس بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم، وإلى كل قادر على الإسهام الإيجابي والنافع لإصلاح أحوال المجتمع وليس إلى شق صفوفه. فأمتنا اليوم تواجه من داخلها ومن بعض أبنائها ما لا يقل خطورة عما تتعرض له من غزو ثقافي وفكري مباشر بعد أن كان يتسلل إليها كما يتسرب الماء من تحت العشب، فيحدث تخريبًا وعطبًا. ما يلفت الانتباه هذه الأيام خوض بعض الفضائيات والصحف العربية في قضايا يتعمدون إشعال فتيلها سعيًا الى شهرة وسبق في غير محله، فتارة يتجرأ متحدثون أو كتّاب على الفتوى والبعض الآخر ينبش فيما اتفق السلف الصالح عليه فيفجر شكوكًا لا ندري لصالح من يفعلون وماذا يستهدفون ولماذا في هذه الأوقات؟ ومن ذلك ما طرحه أحدهم عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله. لن أخوض فيما أثير ولا يزال في بعض الفضائيات التجارية التي يجب أن نربأ بأنفسنا عن متابعتها ونربأ بدعاتنا أن يكونوا طرفًا ولو بالرد على ترهات الذين تصيبهم نزعة الفتنة ويخوضون عن عمد أو جهل في تلك القضايا. وعلى هؤلاء أن يتقوا الله في ما يقولون. والمشكلة تزداد في تداعياتها عندما تخرج تلك الأفكار والآراء فتستفز بعض خطباء المساجد وبخاصة في خطب الجمعة ومحاضرات ما بعد الصلاة، فيسارعون بطرح مثل تلك القضايا من باب الرد على المغرضين وهواة الفتن وبخاصة في الفكر الإسلامي، وبذلك يكثر اللغط ومن لم يسمع بالترهات من أصحابها سيسمعها من الخطباء، وتزداد هوة الانقسام ويحدث الضرر بين أبناء المجتمع الواحد والأمة الواحدة، وبخاصة أن بعض الفضائيات تعمق الجروح بدعوى الرد والتصحيح. أما الانترنت فيتلقف كل شاردة وواردة ويصب عليها من الزيت وكل وسائل الاشتعال السريع ما يؤجج نيران الفتنة التي لا تفيد سوى أعداء الأمة وتسيء لديننا وفكرنا الإسلامي. لقد غضبنا أشد الغضب من اساءات في بعض الدول استهدفت نبينا الأكرم خاتم النبين وسيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، فكيف بنا نرى من يشعل الفتنة في وسيلة إعلامية فضائية أو مقروءة وتستعر النيران في دهاليز الانترنت، مما يفرض على الجميع ممارسة الوعي والمسؤولية الفكرية، حتى لا تصبح الطروحات غير العاقلة وقودًا لفتنة لا نهاية لها، وأصبحنا أمام جبال من الفتن المركبة تفيض بها الشبكة العنكبوتية وتطيرها بسرعة البرق، ويستغلها من يضمر لديننا وأمتنا سوءًا، وللأسف ينجر كثيرون من أبناء الأمة إلى معارك سقيمة هابطة عن عمد أو عن جهل دون تقدير لخطورة الخوض في قضايا وآراء لا مبرر لها ولا أساس. إن شعوب الأمة ومجتمعاتها وشبابها يكفيها ما فيها من مشكلات وتحديات للنهوض بالتعليم والصحة والمعيشة ومعالجة البطالة وإصلاح أحوال المجتمع والتحولات الأخلاقية وتحديات الأمن الفكري. كل ذلك يحتاج إلى تضافر الجميع وبخاصة من يهمهم أمر وحدة جسد الأمة ووسطيتها وترسيخ قيمها واستقرار فكرها دون جمود ولا إفراط ولا تفريط.. وأمتنا وشبابها بحاجة إلى خطوات صحيحة للبناء العلمي والتنموي والأخلاق، فكيف يأتي البعض ويدخل عباد الله في منحنيات وأنفاق مظلمة باسم الحراك الفكري. وكيف لبعض حملة العلم الشرعي أو من يخوضون بغير علم أو الذين يخوضون مع الخائضين، أن يتفرغوا لسفسطة تهدد ما اتفق عليه السلف الصالح والعلماء في الوقت الذي يتهدد استقرار الأسرة العربية المسلمة برياح عاتية من المشكلات وضعف المسؤولية والنزاعات والعنف، وأصبحت كجبل الثلج الذي لا نرى منه سوى قمته ولا ندرك خطورة المغمور منه في عمق الحياة اليومية وتفاصيلها إلا حين تدلهم المشكلات وتدهمنا التحديات.. أين هؤلاء من كل ذلك حتى يشغلوا أجيال الأمة بما لا طائل منه سوى الخسران؟ قولوا قولًا سديدًا أيها الخارجون عن ثوابت الأمة واتركوا العلم لأهل العلم الثقاة وأعينوا الشعوب على استقرارها وأمنها النفسي ولا تثيروا الفتن الفكرية، ويكفي ما أصاب الأمة ويصيبها من فتن السياسة على الفضائيات حتى غرقت شعوب في تقسيمات عرقية ومذهبية وطائفية وأتت على الأخضر واليابس في دول عدة لم تنطفئ نيرانها بعد. فقولوا خيرًا أو اصمتوا هداكم الله. [email protected]