قال الضَمِير المُتَكَلِّم: خلال المدة الماضية قام بعض القضاة عندنا باستبدال عقوبة السجن في حق الجناة بخدمة المجتمع كتنظيف المساجد أو المدارس؛ فكان لهذه الأحكام الكثير من الإيجابيات التي من أهمها إبعاد أولئك عن مستنقع الجريمة (السِّجْن)!! من يومها صدّقوني لا يفارقني التفكير في المدعو (سِجْن أو مُعْتَقَل)، وهل هو عقوبة للمجرمين، أم جريمة في حَق البشرية؟! اطّلعتُ في هذا الجانب على العديد من الدراسات والأبحاث والمقالات، والتي من أبرزها دراسة (للدكتور نهرو عبدالصبور طنطاوي)، وخرجت بما يلي: العقاب بالسجن قديم. فقد ذكره القرآن الكريم عَشَر مرات، مرة عن سجن فرعون لموسى عليه السلام، وتسع مرات عن سجن عَزيز مصر ليوسف عليه السلام. تطورت السجون والكثير منها لا يكتفي بعزل الإنسان عن محيط الحياة؛ بل يشتمل على أساليب وألوان من التعذيب، وما زالت تلك المعتقلات التي ترفع شِعار أنها دور رعاية وإصلاح وتقويم جاثمة على الصدور، فهل حققت غايتها في عقوبة الجاني والحَد من الجريمة؟! نعم المرء الذي يرتكب جُرْمًا ما لابد أن يُعَاقب؛ لكن وحده!! لكن في نظام عقوبة السجن تنفق الدول الأموال الطائلة، وترصد الميزانيات الضخمة لبناء السجون، وتأمينها، وحراستها، وتوفير الطعام والشراب، والملابس، والأدوية، والرعاية للمساجين!! فكم من الأموال تصرفها الدول سنويًّا على ماذا؟ على عقاب المذنبين والمجرمين، من أموال أحق بها الأبرياء المساكين من المواطنين الذين قد لا يجدون لقمة العيش!! أيضًا الواقع يشهد بأن السجون لم تحدّ من الجريمة؛ بل إن عقوبة السجن قد تزيد المجرم إجرامًا، وتفقده الثقة بنفسه، وتشوّهه أمام نفسه والآخرين؛ بل قد يتعرّف في سجنه على العتاولة من المجرمين الذين يكسبونه سلوكيات إجرامية جديدة!! ثم هل من العدالة مثلاً أن يسجن شخص ما لمدة عام أو أكثر لأنه كَفَل أحدهم، أو عجز عن تسديد دينه؛ ثم تترك أسرته دون عائل، يعانون ألم فراق عائلهم، والحاجة، والفقر والتشرّد؟ فعقوبة السجن لا تقع على السجين وحسب، بل هي عقوبة لأهله وذويه. ويكفي عقوبة السجن إجحافًا وظلمًا أنها لم تُرْجِعْ يومًا حقًّا للمُعْتَدَى عليه، فما الفائدة التي ستعود على المجني عليه من سجن الجاني؟! (غدًا نكمل الحكاية).. ألقاكم بخير والضمائر متكلّمة. فاكس : 048427595 [email protected]