كل مَن يزور أيًّا من مجمعات التسويق الضخمة الفخمة -التي انتشرت في مجتمعنا انتشار النار في الهشيم هذه الأيام- لابد أن يلحظ أن جميع المحال التجارية فيها -دون استثناء- باتت فروعًا لشركات غربية، ومعظمها شركات أمريكية، ويتبدى ذلك من أسمائها اللاتينية التي تُترجم تعسفًا إلى العربية، بحيث لا تجد اسمًا عربيًّا واحدًا على الإطلاق إلاّ محلات بيع العباءات النسائية، والعطور الشرقية. وأجزم بأن بعض هذه المحلات كذلك اختار اسمًا غربيًّا له كي لا يكون (شاذًّا). ولا أريد أن أسرد أسماء هذه الماركات التي أعرفها جميعًا؛ كي لا أُتّهم بالتشهير، لأني لو فعلت، لما استثنيتُ محلاً من بينها جميعًا. وما أقصده ليس التشهير بقدر ما أريد الحديث عنه من أشكال الملابس التي باتت تصلنا من أمريكا خصوصًا لنضعها على أجساد أبنائنا وبناتنا، وقد يظن القارئ أنني أعني الملابس الخليعة خصوصًا، وهذه بالطبع من كبرى المآسي التي نعيشها، فما عاد شبابنا من فتيان وفتيات يقصدون دور الخياطة المحلية إلاّ في الأعياد، وقد لا يقصدونها مطلقًا، ويستعيضون عنها بشراء ال(تي شرت) و(الجينز).. ليس إلاّ، وقصد لهذه القمصان والبناطيل أن تظهر الوسط خصوصًا وما دونه فيما بات يسمّى: Low Waste أو (الخصر النازل) إن صح التعبير، ولا يحتاج ذلك إلى تفسير. وإن كانت تلك من الظواهر الفاحشة في هذه الملابس، فإن هناك ظاهرة أخرى أكثر فُحشًا أخذت تتفشى في كل تلك المحلات -بلا استثناء- ولا أذكر أن أحدًا تنبّه لها، أو كتب عنها، أو حذر منها.. تلك ظاهرة بنطلونات الجينز التي تملأ الأرفف وطاولات العرض، وهي بنطلونات صُنعت بحيث تكون ممزّقة، ومتّسخة، و(مجعلكة) في أساس صنعها وتصميمها، وكأنها لُبست لسنوات وتشققت من عند الركبة، أو المؤخرة، وبهت أو ذهب لونها تمامًا، وقد تكون مرقّعة أو غير مرقعة، بمعنى أن تباع بحالتها: ممزّقة، ويظن الواحد منا حينما يراها أن شخصًا ما جمعها من صناديق القمامة، وأتى بها وعلّقها في هذه المحلات دون أن ينظفها، أو يكويها، أو يرتبها لتُباع كما هي بوساختها، وشقوقها، ورقعها، و(جعلكتها). بل قد يخطر ببال الواحد منا حين يراها أن ما يُلقى في القمامة قد يكون أنظف وأحسن ألف مرة ممّا بات يعرض بكل صفاقة، وقلة حياء في هذه المحلات، علمًا بأن أسعار هذه البنطلونات المهترئة أضعاف أضعاف أسعار الأخرى التقليدية السليمة النظيفة. وبالطبع فإن الشباب يقدمون على شرائها دون غيرها، رغم غلاء وفحش أسعارها. وإذا ما سألت الواحد منهم، أو الواحدة منهن سمعت جوابًا بأنها (الموضة). ولا أريد أن أبدو بمقالتي هذه متزمتًا متخلّفًا كما يُتّهم كل مَن حارب (الموضة)، فأقول إن لبس البنطلون في حدود شرعية ما.. لا غبار عليه، وكثير من العاملين الملتزمين يلبسونه بدون أي حرج، ولكن لبس هذه البنطلونات المشققة، التالفة، النتنة.. أمر لم نتصوّر حدوثه في يوم من الأيام، ولكنها واحدة من الأفكار الشيطانية الأمريكية التي تم تسويقها وترويجها بين الشعوب، بحيث نجح الجينز ليكون ملبس الناس الأول في القارات الست، لأنه لا يحتاج إلى كي، ومهما اتّسخ فلا يظهر ذلك عليه، وهو جزء من الثقافة الغربيةوالأمريكية خصوصًا بقلة الاستحمام، وتغيير الملابس. فمالنا ولتلك الثقافة الغريبة علينا، ولِمَ لا نحمي أبناءنا وبناتنا منها؟ وهم بالطبع منجرفون بلا تفكير وراء كل ما يأتي من أمريكا مهما كان شاذًّا وغريبًا، ولكن يبقى دورنا في التوجيه والإصلاح ما استطعنا. وممّا يمكن عمله بهذا الخصوص أن تتولّى وزارة التجارة مسؤولياتها تجاه ما يرد ويفد علينا من هذه البضائع التي ليست إلاّ (قمائم) لتبتزنا في أموالنا وأخلاقياتنا وثقافتنا ومنظر أبنائنا وبناتنا، فلا يكلّف الوزارة كثيرًا أن تعيّن مراقبين مختصين على هذا النوع هذه الملبوسات الشائنة الفظيعة، التي تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، فخلال شهور قليلة لحظت أن عدد الشقوق التي توضع في البنطلونات تزداد بشكل جنوني، حتى كأن البنطلون الواحد أصبح عبارة عن مجموعة من الشقوق، أمّا الباقي منه فهو أجزاء مهترئة، أو متآكلة، أو بدون لون، وكأنه استعمل لسنوات ثم دُفن في التراب وأُخرج من بعد ذلك ليُباع. وجولة سريعة من بعض المراقبين في أي (مول) ستجعلهم يوقنون أن ما تعرضه محلات (الماركات) بات أمرًا لا يمكن تحمّله، وأن مردود ذلك السيئ لن يكون إلاّ على أبنائنا وبناتنا ليزدادوا بُعدًا عن أخلاقياتنا ومُثلنا.