انطلق الجيل الخامس من سلسلة أقمار عرب سات، وقريبًا ينطلق الجيل الثالث من سلسلة أقمار نايل سات، وكلها أقمار للاتصالات والبث الفضائي الذي يضع في الفضاء العربي قرابة خمسمئة قناة أغلبها لتغييب الوعي خلف مسابقات تافهة، وبرامج متخصصة لتعليم السحر، وأخرى للتدريب على علاج المسحور، وثالثة لتعليم نسائنا كيف يحتفظن بأزواجهن، ورابعة لحث الأزواج على تنويع ألوان الزيجات بين المسيار والمسفار والمصياف والنهاري والليلي...! وهذا بالطبع إلى جانب بعض القنوات الإخبارية والتعليمية والترفيهية الرصينة لا تزيد نسبتها بحال على عشرة بالمئة من إجمالي القنوات العربية في الفضاء. وفيما كنا في العالم العربي منهمكين في البحث عمّا سوف تحمله إلينا أقمارنا (التي صنعتها شركات غربية لحساب شركات عربية وأطلقتها صواريخ فرنسية أو روسية من قواعد خارج العالم العربي لحساب ذات الشركات العربية) من مسلسلات في شهر رمضان المقبل، كان الإسرائيليون يراقبون من ساحل البحر المتوسط صاروخًا إسرائيليًّا ذا ثلاث مراحل يشق الفضاء حاملاً قمرًا اصطناعيًّا إسرائيليًّا للتجسس ضمن منظومة أقمار أفق، مخلّفًا وراءه ذيلاً ناريًّا بطول مئة وخمسين كيلومترًا.. عقب إطلاق قمر التجسس الإسرائيلي أفق (9) قال مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع المستوى: “تستطيع أقمارنا الآن رصد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في مخدع الزوجية، وهو يحتسي فنجان القهوة التركية”!! مشيرًا إلى دقة وكفاءة القمر الإسرائيلي الجديد، الذي تفيد تقارير علمية وعسكرية إسرائيلية متطابقة أنه إسرائيلي الصنع بنسبة مئة بالمئة!! ثمة ملاحظات حول قمر التجسس الإسرائيلي العاشر الموجود في الفضاء الآن لمراقبة منطقتنا على مدار الساعة، فهو إسرائيلي الصنع بالكامل، جرى اطلاقه من قاعدة بالماخيم الجوية الإسرائيلية على ساحل البحر المتوسط، بواسطة صاروخ إسرائيلي الصنع من ثلاث مراحل، وضعه في مدار حول الأرض يستطيع منه أن يرصد منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة إيران، وتركيا، وسوريا، ولبنان، والأردن على مدار الساعة، كما يمكنه أيضًا رصد كافة المنطقة جنوب خط الاستواء. وطبقًا لتقارير علمية فالقمر الإسرائيلي مزود بأجهزة استشعار عن بُعد عالية الدقة، تتيح له رصد أبسط التحركات على الأرض، وكذلك تصوير الأجسام المتناهية الصغر (أصغر من 70 سنتيمترًا). ثمة ملاحظة لافتة أيضًا بشأن القمر الإسرائيلي (أفق 9) تتعلّق بموعد وظروف إطلاقه، فالتقارير الإسرائيلية تشير إلى أن القمر جرى إطلاقه قبل الموعد المقرر بأربعة أشهر كاملة، إثر ما يسمّيه الإعلام الإسرائيلي ب“كارثة 31 مايو” في إشارة إلى عملية الهجوم الإسرائيلي على قافلة أسطول الحرية التركي، وما أعقبها من تداعيات هزّت صورة إسرائيل حتّى في عواصم الغرب، وقوّضت التحالف مع تركيا بعدما أمر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بتعطيل ست عشرة اتفاقية للتعاون العسكري بين أنقرة وتل أبيب، وحظر تحليق المقاتلات والقاذفات الإسرائيلية في الأجواء التركية؛ ممّا يعني أن الفضاء الجوي في منطقة الشرق الأوسط قد أصبح مغلقًا أمام سلاح الجو الإسرائيلي، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار رفض الرئيس الأمريكي أوباما السماح لإسرائيل باستخدام الأجواء العراقية لتوجيه ضربة لإيران. إطلاق قمر التجسس الإسرائيلي (أفق 9) كان بمثابة طوق النجاة لإدارة نتانياهو، فهو مع ما صاحبه من حملة إعلامية تعمدت استعراض قدرات إسرائيل، والتحدث بكثير من الزهو عن قدراتها التجسسية عبر الفضاء، وكأنما يريد نتانياهو أن يقول للأتراك: “لدينا بدائل ولن نخضع لضغوطكم”، وهو ما قاله بعبارة أخرى عندما أصرّ على أن حكومته لن تعتذر مطلقًا لتركيا عن مهاجمة أسطول الحرية، ولن تقبل بمبدأ تعويض أنقرة عن الأضرار التي لحقت بمواطنيها وسفنها. وفي كل الأحوال فقرار إطلاق القمر محفوفًا بتظاهرة قوة كان يريد الإشارة إلى مدى جاهزية إسرائيل عسكريًّا وتقنيًّا لمواجهة أعدائها، وتحمّل ضغوط خصومها. هذا ما كانت تعنيه رسالة (أفق 9) إلى الجوار الذي انشغل العرب فيه بالاستعداد لاستقبال شهر رمضان فضائيًّا عبر المسلسلات، والفوازير، وبرامج الفكاهة والترفيه التي تساعد على هضم ما جرى شحنه إلى الأمعاء العربية بين أذان المغرب وحتى مطلع الفجر!! نفس المنهج الذي اتّبعه السوفيت أواخر الخمسينيات، ولحق بهم الأمريكيون بعدما أدركوا أنهم باتوا “أمة في خطر” على حد قول الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي، فما أن أخرج الزعيم السوفيتي الراحل نيكيتا خورتشوف لسانه للأمريكيين معلنًا أن أقماره الاصطناعية (في عام 1957) تستطيع ضبط واقعة خيانة زوجية في قلب باريس، حتى سارع الأمريكيون إلى اللحاق بالسباق الفضائي إثر تحذير كينيدي من التراجع العلمي لبلاده، ليعلن مسؤول أمريكي كبير بعدها أن بوسع واشنطن التنصت على دقات ساعات رجال الكرملين)، في إشارة إلى قدرة أمريكا على رصد كل ما يدور حتى داخل مقر القيادة السوفيتية. أمريكا استجابت لتحدّي خورتشوف حتى سبقت السوفيت بأول إنسان يهبط على سطح القمر، وتمكّنت في النهاية من إسقاط جدار برلين، وتفكيك حلف وارسو، وتمزيق دول الاتحاد السوفيتي السابق التي أصبح بعضها عضوًا ناشطًا في الناتو، تتمركز على أرضه محطات التنصت الأمريكية، وتنطلق من قواعده الجوية القاذفات الإستراتيجية الأمريكية. إسرائيل التي تنفق على برامج التعليم عندها أكثر من سبعة بالمئة من إجمالي دخلها القومي، عدا ما يقرب من أربعة بالمئة على برامج البحث العلمي، استطاعت أن تسيطر على الفضاء الشرق أوسطي، وهى الآن البلد رقم واحد في إنتاج وتصدير تقنيات الطائرات بدون طيار، حتى إلى أمريكا وروسيا، وهي قد ألقت قفاز التحدّي بالإعلان عن قدرة أقمارها على رصد ما يدور في مخادع دول الشرق الأوسط، فهل ثمة إدراك عربي واعٍ لحقيقة أننا بحق “أمة في خطر”؟ وهل ثمة استعداد عربي على أي مستوى للاستجابة لهذا التحدّي عبر برامج للتعليم والبحث العلمي، تنقذ شعوبنا من أقمار ألف ليلة وليلة الرمضانية، وغير الرمضانية؟!