كثيراً ما يفاجأ الإنسان برسالة غريبة ترد إلى جواله أو يجدها على بريده الإليكتروني، وغالباً ما تحتوي هذه الرسالة على أذكار أو آراء دينية، يكون في آخر الرسالة مناشدة لإعادة إرسالها، وتختتم الرسالة بتهديد ووعيد بأنه في حالة عدم إرسال الرسالة سيحدث لمستقبلها كذا وكذا، أو يصاب أحد أبنائه في حادث حركة، أو يموت أحد أقربائه شر ميتة، إلى آخر هذه المزاعم، فمن الذي يقف وراء هذه الرسائل؟ وما هو موقف الشرع منها؟ وهل الإنسان ملزم بإعادة إرسالها حتى لو كانت تتضمن قيماً دينية صحيحة؟ الرسالة حملت هذه الأسئلة وتوجهت بها صوب مجموعة من العلماء وطرحتها عليهم فكانت الآراء التالية: ليست مجبرة ويوضح الشيخ عبد العزيز السويدان أن من يتلقى هذه الرسائل على البريد الإليكتروني أو الهاتف المحمول ويناشده مرسلها أن يعيد إرسالها لأشخاص آخرين ليس مجبراً أو ملزماً على ذلك، ويقول: لا يستطيع أحد أن يلزم شخصاً بشيء إلا رب العالمين، وبالتالي فإن الشرع هو الذي يلزم الشخص بأمر معين. أما ما سوى ذلك فلا. ومن يتلقى هذه الرسائل يمكنه أن يعيد إرسالها إذا شاء ورأى أن بها خيراً فلك ذلك، وإن لم يرسلها فلا إثم عليه، حتى وإن تمادى المرسل في تهديده ووعيده بوجوب إرسالها، فليس له أن يجبر الآخرين بشيء لا يريدون فعله. وأضاف الشيخ السويدان قائلاً: هؤلاء الناس مساكين لا يعرفون من الشرع شيئاً، وما يقومون به هو من الجهل، وبلغ من جهل هؤلاء أن ادعوا العلم بالغيب حيث يقول بعضهم (سيحدث لك كذا وكذا يوم القيامة إن لم ترسل هذه الرسالة)، فهذا ليس من شان الإنسان، وأمور الغيب لله سبحانه وحده وهو الذي يغفر للكافر إن تاب توبة نصوحاً، فما بالك لو كان إنساناً مسلماً مؤمناً بالله تعالى؟ ومثل هذه الأقوال تقوُّل على الله تعالى بغير علم ومن القول بالغيب، وأمور الغيب لا يعلمها إلا الله، وبالتالي هذا الأمر وهذه الرسائل هي جهل مسيطر على هؤلاء الناس الذين يتداولون هذه الرسائل نشر البدع من جانب آخر يقول الأستاذ بجامعة القصيم الدكتور صالح الونيان: ادعاء بعض مرسلي هذه الرسائل بأنه أن لم يرسل الشخص المعني هذه الرسالة سيحدث له كذا وكذا لا يجوز، لأنه ادعاء علم الغيب. كما أن هذه الرسائل قد تتسبب في نشر البدع والذعر بين الناس، وكل هذه الأشياء محاذير شرعية، لذلك على الإنسان المسلم أن يبتعد عنها بقدر ما يستطيع، وبالتالي ليس لأحد أن يوجب أمراً لم يوجبه الشرع، ولا أن يدعي عقوبة لا يعلم عن أمرها شيئاً. أذكر أنني قرأت مثل هذه الرسائل وكانت منسوبة لخادم الحجرة النبوية، وذكر صاحبها أنه تترتب عليها عقوبة ستحصل لمن لم ينشرها أو من حبسها أو غير ذلك، وهذا كله محض افتراء وكذب، بل إن مثل هذه الرسائل تعتبر نشراً للبدع، لذلك لا يجوز نشرها أو تناقلها. واختتم الونيان حديثه بنصيحة لمرسلي هذه الرسائل قائلاً: اتقوا الله عز وجل ولا تبتدعوا أو تشرعوا شيئاً لم يأذن به الشرع، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، ولذلك فإن المرسلين لهذه الرسائل يدعون بحدوث بعض الأشياء وهذا كله رجماً بالغيب ونقول لهم اتقوا الله عز وجل واعلموا أن نشر البدع محرم شرعاً. اضطرابات سلوكية وبدوره يوضح أستاذ علم النفس المساعد ورئيس قسم العلوم الاجتماعية بكلية الملك فهد الأمنية الدكتور تركي بن محمد العطيان أهمية السعي لمعرفة مصدر هذه الرسائل، ويقول: علينا أولا أن نبحث عمن يقف وراء إرسال هذه الرسائل، فإذا كانت جهةً رسمية تقوم بإرسالها أو تساعد من يرسلونها لهدف مادي ينبغي إيقافها، لأن هذه الأجهزة ملكية خاصة لا يجب أن تنتهك، ومثل هذه الرسائل بطبيعتها سواء كانت رسائل إيجابية أو سلبية، إجبارية أو اختيارية يجب أن تكون بين الأصدقاء والزملاء. ويمضي العطيان بالقول: كثيراً ممن يرسلون مثل هذه الرسائل ليسو أسوياء، ولابد أنهم يعانون من اضطراب السلوك، والاضطراب النفسي ليس مرضاً أو علة، إنما هو نوع من الاضطراب مشابه للاضطراب في النوم أو الاضطراب في الهضم، وهذا أمر عادي جداً يزول بزوال المؤثر. وقد يتساءل القارئ ويقول: لماذا هذا الإنسان غير سوي؟ فنقول لأنه لا يتصرف حسب رأيه، وإنما يمشي وراء الآخرين وبالتالي لو كان لديه رأي سديد وعاقل ومدرك كمال الإدراك وكمال العقل لما خضع لمثل هذه الأمور. لكن على العموم لا أرى بأساً في أن يستقبل الإنسان هذه الرسائل ويقرأها، إذا كان ما فيها تسبيح وتهليل وأمور محببة لدى الإنسان وتخفف عليه من المشاكل النفسية وأمور العين والحسد وكسب الأجر. لكنه ليس ملزماً بأن يعيد إرسالها، وليس صحيحاً أنه إن لم يرسلها سيكون عرضة للذنب والعقاب. واختتم العطيان حديثة قائلاً: لا شك أن هناك أثر كبير لهذه الرسائل على نفوس مستقبليها، لاسيما أن بعضهم من صغار السن، وبعضهم لديه عاطفة دينية قوية، وبالذات النساء، وبالتالي يخضع هؤلاء لمرسلي هذه الرسائل ويقومون بإرسالها لأشخاص كثيرين جداً، سواء عن طريق الجوال أو بواسطة البريد الإليكتروني. كما نجد أثراً كبيراً على المتلقي، فهناك من يبحث عن الأجر والمثوبة من الله، وهناك من يخاف من العواقب والعياذ بالله. فهذا السلوك في الآخر غير سوي من المرسل أو المستقبل الذي يعيد إرسالها لآخرين ويتسبب في إصابتهم بالهلع والخوف وكان عليه أن يقف في وجه هذا الابتزاز الديني ويحذف هذه الرسالة وينتهي الأمر عند هذا الحد. ... وتربوية: هناك شركات تستفيد من هذا العمل وهذا خداع وتكسب وبدورها تقول الأستاذة بكلية التربية بجامعة القصيم الدكتورة حنان البدري: غالبية هذه الرسائل دينية الطابع، حيث نقرأ في نهاية كل رسالة أن من يقوم بإعادة إرسالها سيؤجر لأنها تتضمن أفكاراً دينية، ولكن عندما تأتي لشخص رسائل تمس العقيد بحيث تتضمن أفعالاً وأقوالاً وأحاديث لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذه تكون خطيرة ومرفوضة، سواء من الناشر لهذه الرسائل أو من العمل بها. أما الرسائل التي تحتوي على أفكار دينية صحيحة فمن المؤكد أن الأشخاص الذين يرسلونها ينقسمون إلى قسمين؛ القسم الأول يريد الأجر والثواب، والقسم الثاني يبتغي منها الشهرة، لأن بعض الرسائل تحتوي على اسم المرسل ويكون الهدف منها أن يذيع اسمه وسمعته، فأتمنى أن تكون كل هذه الرسائل رسائل دينية صحيحة في الفكر والمنهج. ومضت البدري قائلة: هنالك جانب آخر يختلف كلياً عن الناحية السابقة وهو الرسائل التي تجبر المستقبل على أن يقوم بإعادة إرسالها لأشخاص آخرين، ففي هذا خداع وجانب ربحي، لأنه من الممكن أن تكون هنالك شركات تستفيد من إرسال هذه الرسائل لأكبر عدد من الأشخاص، وهنا نجد الجانب الربحي واضح جداً، وأنصح الشباب أن يأخذ الفائدة من هذه الرسائل وينشرها لمن حوله بالقول أو الفعل وليس شرطاً أن يقوم بإرسالها إلى الآخرين. ... وشباب يحكون تجاربهم .. بعضها يكتسب المصداقية .. ولغة التهديد مرفوضة وتوجهت الرسالة لبعض الشباب الذين مرت بهم تجربة تلقي مثل هذه الرسائل وسألتهم عن رأيهم فيها فأجابوا بالتالي: الخوف والخشية بداية يقول الشاب سعيد عالي: بالنسبة لرسائل البريد الالكتروني المنتشرة هذه الأيام فهذه يكون محتواها في الغالب عن الشريعة الإسلامية، وفي نهاية الرسالة البريدية تكون ملاحظة بأنه (في حالة عدم إرسالها لعدد معين سوف تحدث لك كارثة أو مصيبة)، فمن يقومون بإعادة الإرسال سواء كانوا من الشباب أو الشابات فهم إنما يقومون بإعادة الإرسال خشية وخوفاً من ذلك التهديد. رسائل إنسانية وبدوره يقول الشاب عمر الروقي إن بعض هذه الرسائل تحظى بمصداقية بين القراء لأنها تتحدث عن أطفال معاقين أو مرضى بحاجة لدم من فصيلة معينة، هنا يميل مستقبل الرسالة لتصديق الرسالة لأن حب الخير غريزة طبيعية في ابن آدم. أما الرسائل التي تتضمن الأذكار وأمور الشريعة الإسلامية فهنا نحن نبتغي المثوبة من الله عز وجل لكن الرسائل التي تتضمن التهديد بالعقوبة وقد تصل إلى أن المستقبل سيموت إن لم يعد إرسالها فهذه لا أصدقها شخصياً.