بانوراما عجيبة التقطتها (كاميراتي) المشاغبة خلال الأيام القليلة الماضية، تزعم أنها تقارب أثرًا ما يوحي بكثير من الدلالات الموجعة تارة، والمضحكة تارة أخرى، أو ربما لا تكون هذه أو تلك على الاطلاق، تاركة لفعل التلقي لديكم حرية التصنيف أو التعليق، والاستجابة أو الرفض، لأن الصور الملتقطة -تلك- لا تدّعي أنها انعكاس تام (لحقيقة) ما، بقدر ما هي مقاربات تجتهد في ملامسة أطياف (الحق) والخير والجمال: مشهد أول بعد غياب المرأة عن زوجها، وأطفالها عن أبيهم لظروف عائلية قاهرة، لا تلبث أن تقرع أجراس الفرح من جديد بلم شمل الأسرة، بعد أن استطاعت الأم أن تؤكد حجز سفرها هي وأطفالها في الرحلة المتجهة من المدينة إلى تبوك، وبذات الحرص الذي اعتادته طيلة حياتها، تسرع لأخذ تذاكر السفر المؤكد، ثم تحضر بشوق عارم إلى المطار مبكرًا تحسبًا لمفاجآت (الخطوط السعودية) التي دائمًا ما تكون غير سارة لمسافريها! تتجاوز اللحظة (الأخطر) وهي لحظة استخراج بطاقات صعود الطائرة لها ولأطفالها.. لا تكاد تصدق أن الرحلة -كذلك- سوف تقلع في وقتها. تأخذ مكانها بجوار أطفالها، ثم تتصل بزوجها (لتفاجئه) بأن الأمور تسير على ما يرام. قبل أن تفتح مجلة (الناقل الوحيد) يباغتها مضيفو الطائرة مع بعض موظفي المطار طالبين منها أن (تترجل)عن الطائرة بلا أسباب، وعلى وجه السرعة، ينغلق لسانها من هول المفاجأة، وتستسلم للسلطة الذكورية المجتمعة حولها، وبعد أن تقلع الطائرة يخبرها أحد موظفي المطار -بلا مبالاة- بأن السبب هو الحمولة الزائدة على الطائرة!! كانت تردد في داخلها بأن السبب هو أنكم (الخيوط السعودية) المهترئة بأنسجة الكسب والاحتكار.. تلك (الخيوط) التي تجعل موظف الحجز يؤكد لك أن الحجز على رحلات الأيام المقبلة مغلق (تمامًا)، في اللحظة التي يأتيك هاتف من صديق (فازع) يخبرك ب(تدبير) حجز لك على أول رحلة..! مشهد ثانٍ يطلب منك طبيب أحد المستوصفات الصحية (مجازًا) إبرة، لابد أن تحضرها سريعًا من صيدلية المستوصف، فتصطدم بأنها مغلقة لصلاة العشاء -يعني ساعة كاملة مع استرخاءة الصيدلي- تحاول أن تلحق بأقرب صيدلية أخرى لخطورة الحالة.. يخذلك خازن وقود السيارة، تصل لأقرب محطة بنزين على صوت بداية الأذان.. تستغيث أن يحقنك بالإبرة لتعيش بقدر الله لأبنائك.. تقصد -بالطبع- أن يحقن سيارتك بالبنزين.. يزهو العامل سعيدًا برفض طلبك بأقوى أسلحته (الإغلاق للصلاة) في اللحظة التي تظنك كنت تسمع استغاثات سيدة لزوجها في السيارة المتوقفة الأخرى بأن يتصرف، فهي في لحظات الطلق الأخيرة. يدور في رأسك المرض والوجع والقهر، ثم تسقط في دوامة غيبوبة لا تدري مَن أفاقك بعدها.. هل هو الطبيب؟ أم الصيدلي؟ أم العامل ذو النظرات الحاقدة؟ أم صرخات المرأة المتوجعة؟ أم صرخات المولود الذي خرج للدنيا وهي (مغلقة للصلاة)؟! مشهد ثالث للتوّ قرر الانعتاق من صلابة جدران المقررات الجامعية، والانخراط في حالة تفاعلية حقيقية مع المشهد الثقافي.. ولكنه لم يجد شيئًا يدعمه في هذه اللحظة الحاسمة سوى مشروعه الثقافي (المهم) وهو طرد ما يسمّى بقصيدة النثر خارج الإطار الشعري، وهو ما طرحه حقًّا في الأمسية.. هو ذاته الذي كان يردد لطلابه بإعجاب مفاهيم التعددية والحوارية، وتداخل الأجناس الأدبية. أيكون قد تجاهل كل ذلك، وهو يدخل إلى قاعة النادي الأدبي، ناسيًا أن يخلع (مشلحه المطرز بالذهب)، الذي حضر به آخر جلسات (مجلس الشورى) قبل أيام؟ لم يجد الحاضرون -حينها- أدنى علاقة بين الشخصية (الممشلحة) المهيبة أمامهم، وبين الحديث عن قصيدة النثر الوديعة المغلوب على أمرها -أصلاً- وبلا (مشالح)! مشهد رابع ظل متفوقًا على مدى سنواته الدراسية الاثنتي عشرة.. لم يبخل عليه والداه (بالغالي والرخيص) على ضعف إمكاناتهما المادية، من أجل أن يحقق حلمهما وحلمه بأن يدرس الهندسة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، أو في شركة أرامكو السعودية. حصل في شهادته الثانوية على معدل تراكمي 98% ولكنه قبل أن يهم لدخول اختبار القدرات حصلت لوالده جلطة مفاجئة أرغمته أن يظل مرافقًا له، ولا يخرج مرغمًا إلاّ لأداء اختبار (القدرات!).. كانت نتيجة اختبار الساعات الثلاث مخيبًا للآمال بالطبع (70%) ولكنها كانت حاسمة في ضياع تعب السنين، وشقاء حبات القلب، وفشل الدخول إلى هندسة البترول والمعادن، أو أرامكو، أو أية كلية أخرى للهندسة! وفي مشهد خلفي آخر في أقصى الزاوية تطالع رئيس المركز الوطني للقياس يندد رافضًا مراكز التدريب المتعددة لتلك الاختبارات (الطارئة) بحجة أن “كثيرًا من المهارات التي تنهض بها اختباراته لا يمكن أن تكتسب في فترة بسيطة”. يسأله الطالب ذاته بحرقة: “.. ولكن يا سعادة الدكتور هل أنت مطمئن حقًّا أن تعليمنا قد اكسبنا تلك المهارات”؟! مشهد خامس قال ابن (الثانوية) لأبيه في لحظة استغراب “يقولون عنك علماني ليبرالي منذ زمن، وأمس سمعت من يصفكم بأقذع الصفات.. إيش السالفة.. بالله عليك”؟ يرد عليه الأب: “ومارأيك أنت”؟ فيبادر الابن قائلاً: “أنت يا أبي مَن علّمني طاعة الله، وحب رسوله الكريم، وكل القيم العظيمة، وبالنسبة لوطنيتك، فلطالما كنت غائبًا عنا من أجل تلك التقارير والتغطيات والمقالات التي تندد بالإرهاب والتطرف والفساد والحرص على إيصال حاجات المواطنين للمسؤولين أبدًا”. يختم الأب المشهد بقوله: “إذًا فلا عليك يا بني.. تذكر دائمًا قول الله عز وجل: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلاّ الذين صبروا وما يلقاها إلاّ ذو حظ عظيم)”. مشهد سادس الزوجة التي تعرف أن زوجها دائمًا ما يفتح أذنيه للآخرين.. وليس عقله، جاءت على وجل تستأذنه بحضور حفل زفاف إحدى صديقاتها المقربات، فيشترط عليها متى أرادت حضور المناسبة أن تكون (متغطية بالكامل)! تضحك ظنًا منها أنه يمزح بالطبع “أنت صادق..يارجل”؟ فتزداد ثورة غضبه وقوة (امتصاصه) للسموم. تعرف مذهولة أنه في حالة جده الانفعالي المعتاد.. تحاول أن تحاوره، يوقفها على الفور، ثم وهو مفعم بخطاب شيخه الجليل يسمها ب(الضلال)، ثم يعلن عليها الطلاق (بالثلاث).. وفي لحظة تالية يعجز فيها تمامًا عن التصرّف وحيدًا مع أطفاله الذين يمتلئ بهم البيت، يفزع إلى كتاب شيخه (إيّاه).. يقلّبه صفحة صفحة لعلّه يجد فيه (حلاً) يعوضه عن زوجته الحبيبة المفارقة، أو طريقة يعرف من خلالها كيف يرعى أبناءه داخل البيت الذي ذهب مع الرياح العاصفة!