في البدء يجب أن نعلم أن حكمة الله اقتضت ألاَّ دوام لأحد من مخلوقاته، والحال نفسها تنطبق على الممالك والدول على مر العصور والدهور، فالبقاء له وحده وكل شيء هالك إلا وجهه. كم هي الممالك والدول - منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا - التي سادت ثم بادت؟ أين هم قوم عاد وقوم ثمود وقوم صالح؟ أين فرعون وجنوده؟ أين ممالك سبأ وحِميَر والغساسنة والروم وفارس ودولة بني أمية والدولة العباسية، ومملكة الأمويين في الأندلس؟ وفي العصر الحديث أين هي إمبراطورية الاتحاد السوفيتي وألمانيا النازية وحكومة (بريتوريا) العنصرية وتشيكوسلوفاكيا وغيرها؟ وكل ما سبق مجرد عيِّنات لممالك ودول وأقوام كانت ذات سطوة وقوة، مهابة الجانب، عظيمة الشأن، فاغترَّ بعضها بما لديها من قوة فطغت وبغت وأخذت ما ليس لها وعاثت في الأرض الفساد، فانتقم الله منها بأن سلَّط عليها غيرها، أو جعل بأسَ شعوبها بينهم شديدًا حتى أصبحت خبرًا من الأخبار، وبعضها لم تعتدِ على غيرها لكنها فسدت من داخلها بفساد قادتها وشعوبها فحق عليها القول فدمرها الله تدميرا. واليوم تُسرِّب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) من خلال تقرير نشرته نبأَ زوال إسرائيل خلال (20) عامًا القادمة، مؤكِّدة أن الزوال أمر لا مفر منه لأسباب طرحتها الوكالة لا يتسع المجال لذكرها. وسواء صدقت التنبؤات أم كانت مجرد (تخدير) لمشاعرنا فإن الذي لا اختلاف عليه هو حتمية زوال إسرائيل عاجلاً أم آجلاً وفق ما اقتضته حكمة الله التي أشرنا إليها في مقدمة المقال. بل إن القرآن الكريم يخبرنا بأن لبني إسرائيل (صَولتَيْ فساد)، الأولى قُضِي عليها كما يذكر المؤرخون على يد (نبوخذ نصر) سنة (586 ق.م)، الثانية أعتقد أننا نعيش تفاصيلها في عصرنا هذا الذي شهد فسادًا عريضًا لبني إسرائيل تجاه المسلمين لم يشهد له التاريخ مثيلاً. بالتالي فإن القضاء على صولة الفساد الثانية واقع لا ريب فيه، طال أمده أو قصُر. إذًا فالزوال آتٍ لا محالة، ولولا أن إسرائيل ديمقراطية –داخل حدودها- مطبقة للنظام ومفعِّلة للمحاسبة الدقيقة على الصغير والكبير لما استمرت حتى هذا اليوم، وهذا ما يؤكده قول شيخ الإسلام ابن تيمية «إن الله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة, ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة». لنأتِ إلى الأهم ولنفرض أن إسرائيل قد زالت فما هي الأحداث المُحتَملَةُ المُتَوقَّعُ حدوثها بعد الزوال؟ لعل الموقف في أفغانستان بعد جلاء المحتل السوفيتي يعطينا تصورًا مبدئيًّا لما هو آتٍ في فلسطين لو زالت إسرائيل، فالصراع على (السُّلطة) قائم بين أبناء الأرض المحتلة، والعدو لا يزال جاثمًا على الصدور، وعليكم أن تضعوا تصوراتكم للوضع بين الفصائل الفلسطينية لو زالت إسرائيل. أيضًا هل تظنُّون أن في زوال إسرائيل نهايةً للأطماع اليهودية المسيحية في المشرق الإسلامي؟ أرجو ألا تدغدغ مشاعرَكم مثلُ هذه الظنون فالأطماع اليهودية المسيحية ستظل قائمة، ولو زالت إسرائيل فإن الغرب (اليهودي المسيحي) باحثٌ لا محالة عن موطئ آخر في المشرق الإسلامي. أيضًا، لو فرضنا أن إسرائيل زالت وتركَ الغربُ العربَ في شأنِهم، فهل تظنون أن الوئام (الهش) القائم بين الدول العربية سيدوم؟ في تصوري أنه لولا القوة الغربية الطاغية المرابطة لحماية إسرائيل لما ترك (بعض) العرب بعضًا، ولطغى بعضهم على بعض، ولعادت نغمة (المحافظات المسلوبة).كذلك ستظهر قوىً أخرى متربصة في الجوار لتأخذ نصيبها من (الكعكة العربية) اللذيذة لو زالت إسرائيل. أخيرًا لو زالت إسرائيل فلن تجد بعض الحكومات العربية (شماعةً) لتضع عليها وزر تأخر التنمية وتفعيل الديمقراطية في بلدانها بحجة انشغالها بمجابهة إسرائيل! هذه بعض الأحداث المحتمل وقوعها في حال زوال إسرائيل..”واللهُ غالبٌ على أمرِهِ ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يعلمُون”. [email protected]