وقد ذكر العلماء أن وظيفة الإخراج في الجنة ليس لها وجود، وعرق أهل الجنة ريحه ورائحته مسك، وأن الطعام ليس له فضلات، وما دعا الكثير في التفكير في الجنس في الجنة وبصورته الدنيوية، وجعل الحور العين لذلك، وأنه شبيه بالممارسة الجنسية في الدنيا إلا ارتباط الأذهان بالماديات والبعد عن الروحانيات، والحبيب -صلى الله عليه وسلم-- فعلًا وجد كامل متعته وراحته وطمأنينته في الصلاة، التي أصلها اتصال روحاني بالرب -عز في علاه- وأقوى وأسمى وأجل وأبقى اتصال ما كان بين الحبيب -صلوات ربي عليه- بربه وربنا ورب الخلائق أجمعين. عدم القدرة على الخروج إلى الروحانية الكاملة في العبادة أدى إلى تصور أن الجنة امتداد للحياة الدنيا، وبنفس صور المتع فيها حتى الجنس والشهوة إلا أن في الحقيقة متعتها أكبر وأبقى وهي دائمة، وكما قال -صلى الله عليه وسلم-: “فيها ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر”؛ ولذلك تختلف صلة العبد بربه وقوتها حسب قوة الإيمان بالغيب ودرجة الروحانية والتجلي في الدنيا، وهي تكون كاملة في الآخرة، وأكملها صلة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بالرب المعبود -عز في علاه- ولذلك قبل الحساب يلهمه الله الأدعية والتسابيح، التي لم يكن يعلمها من قبل كما ذكرت السنة الشريفة في سجوده قبل الشفاعة الكبرى لبدء الحساب. حتى أن القلوب والأفئدة في الجنة تفقد الحس السلبي من حقد وحسد وخيانة وما إلى ذلك من ذنوب خفية وظاهرة. وأجل وأكبر متعة يجدها أهل الجنة لذة النظر إلى وجه الله الكريم -سبحانه وتعالى- وسمي يوم النظر إلى وجه الله -جل جلاله- بيوم المزيد؛ لأن أمر أهل الجنة في زيادة والصلة الروحانية بالله أمرها عجيب، حتى إنه يعود النظر إلى وجهه تعالى بالحسن على محيا أهل الجنان، وكلما تكرر كان المزيد مزيد، وقد ذكر ذلك أهل العلم العارفين بما جاءت به السنة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم. وأما ما قاله سيدنا عيسى -عليه السلام- عن أنواع العباد "وهم قوم عبدوا الله خوفًا من ناره وتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله طمعًا في جنته وتلك عبادة التجار، وقوم عبدوا الله حبًا في ذاته وتلك عبادة الأحرار”. فحقيقة الأمر أن العباد الأحرار أيقنوا في وجود الجنة والنار وتصوروها عقلًا وباطنًا، وأيقنوا بكامل العبودية والاستعباد لله -جل في علاه- وارتفعوا بروحانية العبادة له إلى مقام العارفين بحقه -عز وجل- فلامس حبه تعالى شغاف قلوبهم وأفئدتهم، فسيطرت الروحانية الحق عليهم بحق وتجلوا في العبادة، ووجدوا لذة التعبد له -جل في علاه- ولم يتكبروا؛ ولذلك أهل التقى الحق والربانيين في الفردوس الأعلى في الجنة مع الأنبياء والصالحين، وانعكس ذلك على تصرفاتهم الدنيوية من حسن خلق، وأكمل من حسن خلقه الحبيب -صلى الله عليه وسلم- لأن مقامه محمود في الدنيا والآخرة، ولم تأخذه ذرة كبر، وكان كامل العبودية لله تعالى، فكان أعظم مخلوق على الوجود، وقد مدحه الله تعالى في تعبده وخلقه، وجعل له الصلاة منه والتسليم وفضله تفضيلًا، وأعلى ذكره، وقرن اسمه باسمه، بل أخذ العهد على الأنبياء -عليهم السلام- باتباعه، وقد فعلوا ذلك فعلًا، كما أوردت السنة الشريفة -صلى الله على صاحبها وسلم- ففي ليلة الإسراء والمعراج أمهم جميعًا في الأقصى، وصلى بهم لله تعالى، واستقبلوه في السماء مرحبين، وتخطى بحب الله له سدرة المنتهى ولم يستطع جبريل -عليه السلام- ذلك فقد أعد الله نبيه، وخلقه لهذا الشأن العظيم، وللرسالة الخالدة -صلوات ربي عليه- فالرسالة المحمدية دنيوية وباقية في الآخرة؛ لأنها خاتم الرسالات، والأمة المحمدية أفضل الأمم؛ لاتباعها سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم-. ولذلك من في الجنة الكل يسمى مسلم لله، وهم المسلمين المؤمنين حقًا من أتباع الأنبياء جميعًا، وما عداهم ففي النار خالدين بما كفروا؛ ولذلك حتى المذنبين دون الكفر والنفاق فهم في الجنة لهم الخلود بعد تطهيرهم من ذنوبهم فهنيئًا لأهل الجنة، ولا حرمنا الله من الاستقرار الأبدي فيها بجوار الحبيب -صلى الله عليه وسلم- وآله وصحبه رضوان الله عليهم. ما اتكالي إلا على الله، ولا أطلب أجرًا من أحد سواه. فاكس 6286871 ص , ب 11750 جدة 21463 [email protected]