يأتي الديوان الجديد للشاعر محمد عابس والذي حمل عنوان «ثلاثية اللذة.. والموت» بعد انقطاع دام ستة عشر عامًا بعد أن أصدر مجموعته الأولى بعنوان «الجمر ومفارش الروح»، في عام 1993م. ويرجع عابس هذا التفاوت والبون الشاسع في طباعته لشعره إلى أسباب من أهمها «إحساسه بالتشبع، وعدم الشعور بجدوى الطباعة في عالمنا العربي، الذي لا يقرأ، إلاّ في حالات لا يقاس عليها». وعلى غير المعتاد في الدواوين الشعرية أحب عابس أن يقدم لديوانه بمقدمة حول عدد من القضايا التي تهم الشعر، ذكر من خلالها أن له تجارب شعرية تتراوح بين التناظري والتفعيلة والنثر، كما وعد من خلالها قرّاءه بأن ثمّة أعمالا أخرى تنتظرهم وهي تتراوح أيضًا بين النثر والتفعيلة والتناظري. كما أشار من خلالها إلى شغفه الكبير بعالم الصورة الشعرية ومحاولة التحليق بها والاستفادة من تقنياتها الإبداعية، وتوظيفها في النص من خلال أشكالها المختلفة: البسيطة والمركبة والممتدة. ويؤكد عابس من خلال تجربته الشعرية على أهمية الإيقاع لديه، ويتمثل إيقاعه هذا بالتلون والتجدد، وليس الرتيب والمستهلك، فهو في إطار القصيدة التناظرية يحاول أن يشاكسه ويروضه لطبيعة النص، وفي قصيدة التفعيلة يحاول توظيف أكثر من تفعيلة، واستخدام أكثر من تفعيلة في النص الواحد، وربما يغير في بعض المقاطع الشعرية الطويلة تفعيلة المقطع في آخره. ويبين عابس أنه لا يولي الشكل أهمية كبيرة أو يمكن أن يختاره لنصوصه إنما طبيعة النص وتجربته هي التي تحدد ما يناسبها شكليًّا. قدم عابس إهداء ديوانه إلى عالم الشعر الذي أباح له عوالمه دون شروط، وإلى القارئ الباحث والمختلف عله يرسم ملامح الشك، وأيقونات التساؤل، وطعم الاكتشاف. وقد احتوى الديوان على ما يقارب 28 قصيدة تنوعت بين التفعيلة والعمودية، كما تنوعت حتى القصيدة الواحدة في الوزن والتفعيلة. وتوزعت موضوعات قصائد الديوان بين العشق، والغزل، والموت، والحياة، والفراق، وشهقات البوح، والحلم، والمشاهد المحزنة، والمبهجة، ولم تغب قضايا أمته عن الديوان أيضًا حيث وجه بعض قصائده إلى فلسطين، وبعضها إلى العراق، وكان أيضًا للوطن نصيب منها من خلال وصف العيد في مدينته الرياض. جاء الديوان في 100 صفحة من القطع المتوسط، وصدر عن دار الكفاح في طبعة 2010. ومن قصيدة «شهقة بوح» نختار هذا المقطع: رعشة الأبواب دبت في يدي، واستأصلت من معصمي روح العناد ها هم بنوا بيني وبين الشمس سقفًا، وأقاموا فوق أشلائي جدارًا وعتاد. ربما تسمعني في غابة الأصوات أذن، وتناديني ببحر المستحيلات أياد!.