سيمفونية الطبيعة العذبة غنية بطبقات الأصوات الصادرة من الكائنات، من جماد، وطيور مغردة غناءة، ونباتات، انسياب المياه بالأنهار والبحار والأمواج والشلالات، وانهمار المطر، وأصوات الرعد والرياح لكل منها وقعها ودويّها وصداها المتميّز تمثل “كونشرتو” متكاملاً، يردد أنشودة أبدية خالدة عبر الأزمان في أعالي الجبال والسهول والسواحل والصحارى، ربيعًا وصيفًا، وخريفًا وشتاءً.. صنعه خالق السموات والأرض. ولأن الحاجة أم الاختراع، فقد دفعت الإنسان أن يقلّد ويحاكي هذا الثراء الصوتي بحنجرته الذاتية بتشكيلات ومخارج صوتية لكل ما يسمعه من النغمات الطبيعية الكونية المحيطة. حتى استطاع أن يستخدم البوق والمزامير، والناي، والطبول، والوتريات، حيث نجد هذا التوظيف والتشابه ماثلاً بين الأصوات في الطبيعة والآلات الموسيقية، حين ننصت بإعجاب لمقطوعات السيمفونيات العالمية: لبيتهوفن السيمفونية الثامنة، موتسارت أوبريت زواج فيجارو والفلوت الساحر، تشايكوفسكي السيمفونية السادسة وبحيرة البجع. كما أن المولى يمنح الحناجر البشرية موهبة صوتية مميّزة، فلكل صوت بصمة -كما يقولون- علميًّا، وصاحبه يصبح قادرًا على الإبداع والتفرد في مجال الإنشاد والطرب. وهكذا أصبحت تلك من وسائل الترفيه البريء لدى الإنسان بعد رحلة العمل اليومي، وأداء العبادات والطقوس والفرائض للإله المعبود منذ الخليقة وحتى الآن. ومن بين الأصوات التي اشتهرت، وذاع صيتها بين متذوقي الفن، وما زالت محبوبة الملايين والمتربعة في قلوبهم. فتاة قروية من ريف دولة مصر الشقيقة، وهي كوكب الشرق (أم كلثوم)، هي معجزة فنية بكل المقاييس، وصاحبة الحنجرة الذهبية التي بلغت في شهرتها الآفاق، وفتحت لها الأمم شرقًا وغربًا أبوابها ترحابًا وحفاوةً، يستقبلها الملوك والقادة أجمعين، وتنال منهم التكريم في حياتها، وظلت حتى الآن -بعد وفاتها جسدًا رحمها الله- نموذجًا للخُلق والعطاء، تتربع على عرش الطرب، وعلى قمة درجات السلم للفن الراقي الأصيل الذي يحمل أسماء راحلين وأحياء، أحببنا الإنشاد والطرب من أجلهم، ونستطيع الاستماع لهم عبر قناة الطرب على النايل سات لترويح القلوب ساعة بعد ساعة مع الفن البريء. فتحية أيضًا لكل هؤلاء المطربين والمطربات المعاصرين، الذين يديرون ظهورهم لهذا السباق الغنائي اللعين لأدعياء القفز والرقص والعري والإثارة.. فالله المستعان على ما يفعلون من غي وضلال!