كلما فرغت من مجموعة قصصية أطرح تساؤلًا محدّدًا ما هو الرابط بين قصص هذه المجموعة؟ بعض القصاص يرون أن الرابط هو تمثيل تلك المجموعة لمرحلة زمنية يعبرها قلم مبدع. أما الأمر بالنسبة لي يأخذ منحى مغايرًا، حيث أفترض أن هناك رابطًا إذا ما لم يبديه المبدع، إنه شيء خفي بالداخل نابع من عمق الكاتب. حينما يبدع تلك النصوص تقوم بحمل خارطة جينية تورث سمات الكاتب إلى نصوصه باعتبارها وليدة لفكره ومشاعره وشخصيته. والحال في مجموعة (ربما غدًا) لا يمكننا تجاوز إشارتها لمرحلة زمنية يتخطاه قلم شيمة، إلا أنه يصعب علي كقارئ يتفاعل مع النص الاكتفاء بهذا. ربما الذي يجمع بين تلك النصوص هو أنها كتبت ضمن تقنيات القصة القصيرة جدًّا ذلك الفن المتماس كثيرًا مع الحياة المدنية ومكوناتها. لذا أتت مضامين النصوص متوائمة وكاشفة بمجهر دقيق لزوايا معتمة بمساعدة أدوات هذا الفن. هذا التجانس الهرمني بين الفن والمجتمع يؤكد أن مدننا لم تأخذ شكلها المدني الصرف القائم على نزعة الحياة الفردية والمؤسساتية. فمدننا تزدان بطراز عمراني مدني إلا أن ساكنيها لازالوا يحملون سمات المجتمعات غير المدنية. وقد جمعت لنا شيمة سلة متنوعة من ظواهر اجتماعية تأكد فرضية أن مدننا في طور التشكيل وليست بطور النضج. لننظر مثلًا لقصة سياط حيث تأكد أن للمجتمع قوة جمعية وسوطًا يجلد به كل مخالف عن السائد أو الموروث. فيطال سوطه كل من يعمل عقله ويفكر، كما في قصة سواد تصور التهم التي يلفقها المجتمع إلى المثقفات لكونهن يحملن أفكارًا مغايرة عن الأفكار التقليدية والتي تحبس رؤى المرأة. بل إن ثقافتنا القبلية نقلت عدوى العنصرية إلى مدننا فلم تستطيع التخلص من تلك النزعة وقامت بتوزيع الأحياء على هذا المبدأ. حي البدو وحي التكارين وحي البخارية وحي الشوام وحي الحضر “كما فرق بينهم العرق في الزواج يفرق بينهم السكن”!! فقصة عرق تتعرض لجدلية تنافر السواد والبياض سواد القلوب وبياض البشرة، عدم التمازج هذا ساهم بشكل ما في جعل الأنثى تنتظر رجلًا لا يأتي مصارعةً شبح العنوسة كما في قصة انتظار وبقايا. ترصد ظاهرة غريبة من خصوصيات مدننا الناشئة في قصة ثرثرة النون التي تناولت زواج المسيار. إن (ربما غدًا) تعرضت لقضايا مدنية صرفة مثل مجتمعات المثقفين وهمّ الكتابة كما في قصة رأي، مرض، قلم، إضراب كلها تأكد وجود داخل مدننا طبقة المثقفين الذين هم نتاج مدني صرف. ولم تغفل الشمري العلاقة بين الرجل والمرأة، المرأة المتشظية بين زوجها وأبنائها وعملها. كما في قصص ندم وقيد وهروب وصدفة. وفي (ربما غدًا) كشف لعالمين ظاهر وآخر قائم في الظل وتبقى الحياة ممزقة بين العالم الافتراضي الإنترنتي والعالم اليومي المعايش وذلك بقصة غفلة وجنية. وما نشاهد في طرقات مدننا من زيف الأقنعة، حيث تطرقت لها في قصة الدش، خطيب مسجد يلعنه كلما اعتلى المنبر ويتابعه إذا نزل عنه. مثلما رصدت للمكون غير المادي للمدينة فإن (ربما غدًا) لم تغفل العناصر المادية التي تتكون منها مدننا. المكان المدني كالفندق والسوق والمقهى ولو عرجنا بعجالة إلى المقهى. فسنجده حاضرًا باعتباره مكانًا مدنيًا صرفًا. ويقوم بوظيفة نوعية داخل المجتمع المدني: - حيث تتم بين ثناياه الاجتماعات بدلًا من المنازل. - مانحًا مساحة أكثر رحابة وابتعادًا عن الرسميات. - مكان للأصدقاء. - مكان يخلد إليه الإنسان ليتأمل وينعزل مع ذاته. - والمقهى قد يكون مكانا يتصالح به الزوجان كما حدث في قصة ندم. - هو مكان للقاءات العشاق. كل تلك الأنماط يمنحها المقهى باعتباره منتجا مدنيا لا يتوفر لغيره. (ربما غدًا) بعنوانها الاستشرافي ونصوصها الإبداعية تريد لفتنا إلى رغبة المجتمع الحثيثة في تأكيد الجمود والانكفاء على العادات والتقاليد من خلال نقلها معه إلى المدن الناشئة. إنها تطرح تساؤلًا هل تستطيع الحياة المدنية بمنجزاتها إقامة مجتمعات سعودية مدنية الثقافة غير جامدة الفكر؟ -------------- (*) (ربما غدًا) مجموعة قصصية صادرة عن نادي المنطقة الشرقية الأدبي لشيمة الشمري 1430ه/ 2009م، عدد الصفحات 119 صفحة.